في الفصل الأول من كتاب :»سوزان برنار» «قصيدة النثر من بودلير ليومنا هذا» الذي صدر في باريس عام 1958، تشير برنار إشارة في غاية الأهمية إلى أن النثر الشعري وقصيدة النثر مجالان أدبيان متمايزان ومتماسان، ويتشاطران النزوع والتحرر والرغبة إلى اللجوء إلى طاقات جديدة في اللغة، ولكون النثر الشعري قد تقدم زمنياً على قصيدة النثر، فهذه الإشارة بحد ذاتها تؤشر إلى أن قصيدة النثر لم تأت من فعل إعجازي، فلم تولد من دون مؤثرات على صعيد الشكل أولا، وعلى صعيد المضمون ثانيا، رغم ذلك التمايز الذي بينهما، إذ سبقتها، أي قصيدة النثر، تجارب مختلفة وأنماطا شعرية ربما مهدت لها. وبالمقابل يبني «أدونيس» مفهوم قصيدة النثر على خاصية تفاعلها الكياني الذاتي، وربط ذلك بفكرة اللازمنية التي ليس لها بعد زمني محدد، ضمن مضمونها الكياني البنيوي، كما رأى في خاصيتها الثالثة أن قصيدة النثر، التي استخلصنا تسميتها من شروحاته بأنها قصيدة (الكثافة الموجزة أو الكثافة المختصرة)، بعد أن دعا إلى عدم إغراق القصيدة الجديدة (بالإطالة والشروحات والإيضاحات). وهكذا نجد أن هناك بعض الحرفيات التي تطابقت ما بين مفاهيم «برنار»، وما دعا اليه «أدونيس»، وفي الوقت نفسه تتطابق بعدئذ مع ماطرحه «أدونيس» وما طرحه لاحقاً زميلاه في المجلة، «أنسي الحاج» و»يوسف الخال.» فيما طرحه يوسف الخال عن النص الجديد :»من الشعراء من يظن أن في قدرته أن يخبرنا بما يجول في خاطره، فيعمد أحيانا إلى تدوينه نثراً على ورقة، أو في رسالة إلى صديق. ولكنه ما أن ينتهي من قصيدته حتى يجد أن ظنه خاب، لأن ما أخبرنا به شيء وما أخبرتنا به القصيدة شيء آخر. ذلك أن القصيدة، وهي خليقة فنية – جمالية، لا توجد بمعزل عن مبناها الأخير، فما هي معنى محض ولا هي مبنى محض، بل معنى ومبنى معاً» «إنَّ قصيدة النَّثر هي أحد هم إنجازات الشِّعر العربي في العقدين الأخيرين من الكتابة الثَّقافيَّة عامَّة…» هذا ما يبدأ به الشاعر «محمود درويش» أحد أحاديثه، متابعاً القول: «إن انحيازي لها وتشجيعي لها ومجلتي كانت تنشر 25 % مما كانت تنشره، شعر قصيدة النثر.
وأنا من الناس الذين أصبحوا يحسون بإرهاق من نمطية الشعر الموزون، يعني بمجرد أن نعرف السطر الأول، نستطيع معرفة ما تقول القصيدة للآخر، وخاصة الشعر الذي يأخذ القافية كزينة أو كحلية ، وليس كجزء من البنية الإيقاعية، قصيدة النثر تعدني بغرابة ضرورية في الشعر». والنقاش هنا مع كتاب قصيدة النثر هو أولاً: أن يخففوا هذه»الروح النضالية» في الدفاع عنها، لأنهم يريدون أن يلغوا غيرها ويحصرون مفهوم الحداثة بأنه الشعر المكتوب نثراً أي لا يعترفون بالشعر الآخر، ثانياً يقدمون الإهانات يومياً بالقول عن الشعراء الآخرين بأنهم»شعراء تفعيلة»، فجأة أنا صحوت من النوم،»والكلام لدرويش»، وإذا بي أجد نفسي «شاعر تفعيلة»!، كنت أحسب نفسي شاعراً، طلعت «شاعر تفعيلة»!، النقطة الثالثة هي أنهم يحددون مفهوم الإيقاع بأن الإيقاع لا يأتي من العروض، أو من البنية الإيقاعية للعروض، أي يجب أن يأتي من النثر، أي أن الإيقاع الداخلي للقصيدة بنظرهم لا يأتي إلا من النثر، وهذا كلام غير صحيح، إذاً هناك ثلاث قضايا اختلافية معهم: الأولى أنهم يحصرون الحداثة في قصيدة النثر، ثانياً: يحصرون مصدر الإيقاع الداخلي بالنثر، وثالثاً: لا يريدون أن يتعايشوا، أو أن يقبلوا التعايش مع أشكال الخيارات الشعرية الأخرى، ولكن، ومع كل هذا فهم لا يتحملون أن يكون خيارنا ليس خيارهم. فالخيار هو خيار ما نكتب، الشعر الموزون عند الشاعر الحقيقي يمتص قصيدة النثر يعني إذا أردتُ أن أقول: إن قصيدة النثر هي طريقة تناول، وطريقة نظر للأشياء، وطريقة سرد، سردٍ ماكر لصرامة الحالة الكلاسيكية الشعرية، فهناك شعراء جلُّ شعرهم يحمل هذه العناصر، وأحياناً الشعر الموزون قد يخفى على بعض شعراء «قصيدة النثر» على أنه موزون، إذ يعتبرونه منثوراً أحياناً ولا يشعرون بوزنه.
وهذه مشكلة لديهم أيضاً… نقول لكل هؤلاء، نحن جزء منكم، لكننا لا نأخذ القصة قصة نضالية تحيزية تعصبية لهذا الشكل دون سواه، بل هي أحد تيارات أساسية، وخصبة جداً في التجربة الشعرية العربية الحديثة… وأنا ثقافياً، أنحاز للشعرية في النص، ولا أنحاز لشكل فني بعينه، بل للشعر في النص المبني بمعرفة وإبداع ودراية، المتقن المشغول بعناية على بنائيته ومقولته وإتقانه وغرائبيته وحداثته بأي قالب كان، ولا أقاومها أيضاً، بل بالعكس أحبذها، ولكن أميز بين شاعر وآخر كما يميز «كتاب قصيدة النثر» بين شاعر كلاسيكي وآخر، يعني أنا أميز كثيراً بين الشعر العمودي فليس كله مثل بعضه، فكما أن القصيدة العمودية لا تعطي نمطية أو وحدة وجوه لكل الشعراء، كذلك قصيدة النثر ليست واحدة فهناك شعراء سيئون وهناك شعراء جيدون في شعر النثر، ولست مع التعصب في خيار الكتابة الشعرية والتسمية الشعرية على أنَّ النثر هو الخيار الوحيد هو البديل لكل خيار آخر… ………………….. القافية أفضل طبل» جان جيرودو» «إن لدى كل راع عربي إحساسا بالشعر يفوق ما لدى أفضل شاعر عالمي»جبران خليل جبران «أًمشي بين أبيات هوميروس و المتنبي و شكسبير .. أَمشي وأَتعثر كنادلِ مُتدرّب في حفلة ملكية»محمود درويش
ليندا ابراهيم
التاريخ: الجمعة 7-6-2019
الرقم: 16996