غادرنا شهر رمضان وغادر معه العيد وتنفست النساء الصعداء
قد تستغربون لماذا أقول ذلك.. لكنها الحقيقة.. الحقيقة المرة المغلفة بالرضا والقناعة واليقين الصامت.. فالمرأة هي التي تدفع الثمن في شهر رمضان وفي الأعياد والمناسبات وهي التي تحمل على أكتافها وفي قلبها كل التعب والقلق والإرهاق.. وفي الوقت الذي يقضي الزوج والأولاد شهر رمضان في النوم والاسترخاء، تكون المرأة (الصائمة أيضاً) في حالة يرثى لها حيث إنها تخلق من الضعف قوة لتتمكن من تجهيز وليمة الإفطار في أطباق شهية مع العصائر والحلوى والفاكهة.. ومن ثم ما بعد الإفطار من قهوة وغيرها.. وإذ يتابع الرجل المسلسلات الرمضانية تكون المرأة في المطبخ تنظف وتجلي وتحضر لوجبة السحور، وما إن تنتهي وتدخل غرفة التلفاز حتى تتهاوى من التعب والإجهاد فتغفو وهي جالسة بين الجميع فيبتسمون ويغمزون عليها.. تنظر الأم بعتب إلى الوجوه المشرقة بعد الإفطار دون أن تنبس بحرف وتمضي راضية إلى غرفة نومها علها تستعيد طاقة ليوم الغد.. وهكذا تواليك.. حتى ينتهي الشهر ويأتي العيد لتبدأ رحلة العيد في تحضير الحلوى وشراء السكاكر.. هذا إذا كانت العائلة تملك المقدرة المالية للتنعم بالعيد واستقبال الزوار من الأهل والأصدقاء.
وفي كل ما عرضت أؤكد أن المرأة هي التي تخوض معركة هذه العادات والتقاليد وحيدة وليس لها حق الشكوى أو التذمر.. فهي المخلوق الذي يتحمل أعباء الصيام والعيد والمناسبات وكل العادات والتقاليد في الأسرة الشرقية.. وهي تقوم بهذا الدور راضية أو مجبرة لا فرق.. فالاحتجاج لن يغير شيئاً.. لذلك الصمت أجدى وإلا قيل بأنها غير جديرة ببناء ورعاية أسرة.
وكما المرأة في هذه المناسبات هي التي تدفع الثمن.. كذلك.. هي التي يقع عليها أذى الحرب وخرابها وهي التي تحمل وهناً وتلد وهناً وتدفع بفلذة كبدها بعد ذلك إلى الموت في حروب لا تملك هي قرارها ولا تملك إيقافها.. لكنها تزج بها رغماً عن أنفها لتذوق بعد ذلك ويل الحياة والقهر.. فإذا كان قدر المرأة هكذا فلماذا لا يكون لها حصانة أكبر في المجتمع ولماذا لا ينظر إليها إلا من باب الغواية والخدمة والحاجة وكأنها عبارة عن آلة لا أحد يحس بمشاعرها ولا بضعفها أو حزنها وفي الوقت الذي لجأت فيه المرأة إلى العلم والعمل للتخلص من الاستعباد المادي الذي هو السبب الأساسي في جعل الرجل يستعبدها كما يستعبد السيد جاريته، وجعلها كما الخادمة عند بعض شرائح المجتمع المتخلفة.. إلا أن الوظيفة والعمل والعلم لم يحرروا المرأة من ربقة العمل المنزلي اليومي والقيام على تأمين الأسرة والمنزل وطلبات الرجل (الزوج والأخ والابن) وكأن هذه الأعمال المنوطة بها هي أعمال تأتي معها منذ الولادة وعليها توريثها للبنات والحفيدات.. بحيث لا يغني العمل ولا كسب المال عن هذه المهمات الخدمية اليومية.. بل ازداد الأمر سوءاً وانقلب (السحر على الساحر) فصارت المرأة تعمل في الوظيفة وتعمل في المنزل، لتتحول إلى عدة نساء في امرأة واحدة.. علماً أنها تصرف دخلها على المنزل والأسرة دون مقابل.. غير أن المجتمع الذكوري لا يبرر لها ولا يعطيها الحق بمطالبة الزوج بالمساعدة في المنزل.. إذ ينظر إلى العمل المنزلي كأنه تقليل من رجولة الرجل الذي قد يكون طباخاً في مطعم، ولكن في المنزل هو لا يطبخ.. ولا ينظف.. لأن هذا من عمل المرأة التي كرسته شريعة الذكور وشريعة القوة.. وشريعة التقاليد البالية.. فلله درّ المرأة الصبورة ولله الحياة كم فيها من مفارقات الظلم والعدالة والصمت والغفلة.
أنيسة عبود
التاريخ: الأربعاء 12-6-2019
رقم العدد : 16998