ثورة أون لاين-علي نصر الله:
أواخر 2010 بدأت من تُونس ما قِيل إنها ثورات شعبية، حركةٌ امتدت ليُطلق عليها مُصطلح الربيع العربي، بنتيجته انهارت أنظمة الحكم في تونس، مصر، ليبيا، اليمن، ومُؤخراً في الجزائر والسودان، بينما أثبتت سورية أن ما جَرى هو مُخطط شرير لا علاقة له بالثورة ولا الصحوة ولا الربيع، وقد كشفت سيرورة الأحداث لمن عَميت أبصارهم وبصيرتهم الحقيقة مرّة واحدة.
مُعسكر الأدوات الصهيو أميركية، المرتهنون لأميركا ما زالوا على ادّعاء أن ما جرى ثورات شعبية حقيقية نجحت بإسقاط أنظمة، لكنهم يُنكرون واقع أن ما جرى أغرقَ البلدان التي يَدّعون النجاح فيها بمُستنقعات هي أسوأ ألف مرّة من تلك التي كانت تَغرق بها.
المعايير التي تُنصف ولا تَظلم، التي تُظهر الحقيقة بتجليات لا تَخفى قد نَختلف عليها، وقد لا نَتفق على أغلبيتها كي ننتهي إلى التوافق في الحكم على ما جرى، إذ ما زال السِّجال دائراً والانقسام حاصلاً!.
ولكن، هل هناك من المعايير ما لا يمكن الاختلاف عليه؟ نعم، نَعتقد بوجودها وليس بمقدور أطراف السجال رفضها. ما هي؟.
دعونا نقول: تكون الثورة أو الحركة الشعبية ناجحة إذا أخرجت الوطن والشعب من عدة مُستنقعات: مُستنقع التبعية والارتهان للخارج، مستنقع التَّخلف، مستنقع الفساد السياسي والاقتصادي والأخلاقي، ودعونا نقول: تقع الثورة على النجاح كله إذا أضافت إلى ما تقدم نجاحاً بحفظ السيادة والاستقلال الوطني وبنقل البلاد إلى مُستويات أكثر تقدماً وإنتاجية وعدالة وحرية وديمقراطية.
الآن هل علينا أن نَسأل: ما المُستنقعات التي أَخرجَ الربيع العربي المزعوم الشعب وتلك البلدان منها؟ أم يَجبُ أن نَسأل: أي مُستنقعات جديدة وإضافية كارثية غاصت وتَغوص في وحولها هذه الدول وشعوبها بعد الذي جرى تحت شعارات بَرّاقة كاذبة أُعدت لغاية خبيثة وشريرة؟.
باستثناء سورية التي عَرّت المخطط الشرير وفَضحته قبل أن تَكسره، والتي كَتَبت نصراً تاريخياً غيّرَ وسيُغيّر في شكل النظام العالمي والتوازنات الدولية والإقليمية، فإنّ بقية البلدان العربية التي اجتاحتها المؤامرة والفوضى تحت شعارات الثورة انتقلت إلى أوضاع هي أكثر سوءاً مما كانت عليه.
إذا كانت بعض أنظمة بلدان الربيع المزعوم قد انسحبَت مُبكراً من دائرة الصراع مع الصهيونية، فإنها كانت تَحفظ الاستقرار في بلدانها على أقل تقدير، حتى لو كان استقراراً هشاً .. وأما اليوم، فأين هي تلك البلدان؟ ما الذي تَغرق فيه؟ وما موقعها وموقفها من الصراع مع الصهيونية؟.
لا استقرار، لا أمن، لا اقتصاد، لا موقف، جميع بلدان الربيع المزعوم تَرتمي بأحضان أنظمة الخيانة والعمالة الخليجية التي بقُدرة قادر لم تَصلها رياح الربيع رغم أنها لم تَعرف يوماً فلسطين! وما عرفت يوماً إلا الاستبداد! وما سمعت يوماً بالديمقراطية لتَفقه معناها؟!.
بلدان الربيع المَزعوم تُناصب إيران العداء، تَتخندق إلى جانب الوهابية السعودية، تَخضع للإرادة الصهيو أميركية، وتُؤيد تصفية القضية الفلسطينية عبر ما سُمي صفقة القرن!.
شعوب بلدان الربيع المزعوم باتت تَعرف الحقيقة، وتَخفق أفئدتها لسورية، غير أنّ من وُلي عليها – أميركياً – لا يَجرؤ على قول كلمة، ولا يتخلف عن اجتماع تدعو له السعودية بوَحي من إسرائيل وأميركا لبيع فلسطين والتخلي عنها، لإعلان الحرب ضد إيران، للتصعيد ضد سورية، ولاستهداف حركات المقاومة ضد الاحتلال!.. هل نبحث عن تجليات أخرى ليَتضح المشهد؟!.