لقنت إيران الولايات المتحدة الأميركية بالأمس درساً قاسياً في فنون المواجهة العسكرية، حين أسقطت فخر صناعاتها التجسسية وحولتها إلى حطام في مياه الخليج، وذلك في ذروة تبادل رسائل التحدي بين الطرفين، لتثبت إيران مرة جديدة أن فائض القوة الغاشمة ليس سبباً كافياً لإخضاع الدول والشعوب الحرة المستقلة ذات السيادة، وأن الميزان العسكري المختل لصالح طرف ليس مؤشراً لإمكانية حسم معركة مع الطرف الآخر قبل خوضها.
الرسالة الإيرانية الصاخبة والمعنونة بوضوح وصلت أصداؤها سريعاً إلى بريد الرئيس المتعجرف دونالد ترامب وأحدثت النتيجة المطلوبة، بحيث بدا مرتبكاً متردداً مظهراً خوفه من الانزلاق إلى حرب لا يستطيع التنبؤ بنهايتها ومآلاتها، وسرعان ما عاد إلى صوابه المفقود بفعل دائرة الحمقى المحيطة به (بومبيو وبولتون)، ملتمساً التفاوض مع إيران ولكن (بلا شروط)، عسى أن يستطيع النزول من على شجرة الغرور التي اعتلاها بالتحريض الإسرائيلي والمال السعودي.
ما جرى فوق مياه الخليج، أي الاستفزاز الأميركي لإيران كان من الممكن أن يشعل حرباً بين الطرفين، ولكنه قد يحول دونها في نفس الوقت إذا ما عادت إدارة ترامب إلى الاتفاق النووي الذي انسحبت منه ونفذت التزاماتها بموجبه، وما عدا ذلك يبقى الجو متوتراً قابلاً للانفجار في أي لحظة ولا يحتمل أي رسائل جديدة، ولا سيما أن ترامب عاد إلى لغة التهديد بتشديد العقوبات الاقتصادية على إيران اعتباراً من اليوم، وهذا يمثل إرهاباً اقتصادياً يتهدد شعباً حراً بالتجويع والفقر لا يمكن لإيران أن تذعن له أو تقبل به لأن الدول تحارب لحماية مصالح شعوبها.
يحاول الرئيس الأميركي أن يضلل العالم كعادته للهروب من مأزقه، بادعائه الرغبة في التفاوض ورمي الكرة في الملعب الإيراني، بينما عقوباته المشددة على إيران هي حرب اقتصادية لا تقل ضراوة وفتكاً عن الحرب العسكرية، فإذا ما أراد التفاوض فعلاً فلا أقل من رفع العقوبات، وإلا فإن الأمور مرشحة للحرب في أي لحظة وليس أمام إيران سوى خيار المواجهة دفاعاً عن مصالحها، وقد أثبتت جهوزيتها.
عبد الحليم سعود
التاريخ: الاثنين 24-6-2019
الرقم: 17007