رأي…بين عزلـة «ماركيز».. وعزلة كُتَّـابِ الفضاء المفتوح

عندما سُئلَ الكاتب الكولومبي «ماركيز» عن السبب الذي جعل روايته «مئة عام من العزلة» قريبة جداً من الناس، أجاب: «لأنها كتابة من البيت»..
هذا ما أجاب به كاتبٌ، شعر وبعد أن نشرَ خمسة كتب، وبعد أن قضى تسعة عشر عاماً يفكِّر بكتابة هذه الرواية، بأن مهنة الكاتب هي الوحيدة التي تصبح أكثر صعوبة، كلّما مُورست أكثر، وبأننا نحن الكتَّاب، وخلافاً لوجهات النظر:
«لم نوجد في الدنيا من أجلِ أن نتوَّج، ولسنا كُتَّاباً بمزايانا الخاصة، وإنما بفعلِ نكبةِ أننا لا نستطيع أن نكون شيئاً آخر، وأن عملنا يجب ألا يستحقُّ مكافأة أو امتيازاً، أكبر من ذاك الذي يستحقه الحذَّاء على صنعِ حذائه»..
حتماً هو رأيه. لكن، عندما نقارن ما قاله بمكانته، وعندما نقرأ أعماله فنشعرها تستحضرُ شُهرته، لابدَّ أن نتوقف لنسأل عما نتمنى أن نلقى عليه ولو إجابة واحدة كافية وشافية.. إجابة، لا تتدافع بحثاً عن جدواها في عالمٍ بات يكتظُّ بلا جدوى ما يُقدَّم من نتاجاتٍ تتسابق وتتعارك، دون أن تتناول ما يُفترض أن يبني لحياةٍ فاضلة، ودون أن تُبدع ما تستحق عليه الجوائز والمكافآت العادلة.
نتوقف لنسأل: أين النتاجات الشعرية والأدبية، القريبة جداً من الناس, من بيئتهم، مجتمعاتهم، معاناتهم، بل وأحلامهم التي تخلِّصهم من عزلتهم؟..
نعم عزلتهم لطالما، تعيشُ مجتمعاتنا أكثر من عزلة، وأبشعها العزلة الفكرية.. تلك التي فرضها زمن كلّما توالت وتفاقمت فيه خيباتنا الاجتماعية والاقتصادية والدينية والسياسية والثقافية والإنسانية، توالت وتفاقمت، خيباتنا الأدبية والمعرفية…
توالت وتفاقمت أكثر، في ظلِّ المدَّ الفضائي الذي يزيد من تردّي الفضاء الأدبي، وبما يستقطبهُ من أعمالٍ وإن كانت كثيرة ومتسارعة في إصداراتها، إلا أنها بعيدة كلّ البُعد عما يلامس حياة الناس، وملاصقة جداً لـ «أنا» كاتبها الذي لا يجيدُ التحليق إلا في فراغِ تهويماتها..
هي حقيقة يؤكدها الواقع المتشظّي في فضاءٍ رقمي.. الفضاءُ الذي كلَّما رأينا فيه مواقع تتبنَّى نشر قصائد ونصوص غير احترافية، وربما مسروقة من صفحاتٍ أو مواقع إبداعية.. كلّما رأينا ذلك، تجرَّأنا على التفكير بما فكَّر به «ماركيز»، وبأنَّ ما يستحق الاهتمام والتمييز:
«هذا الواقع غير المألوف.. الواقع الذي ليس من ورق، وإنما الذي يعيش معنا ويحسم كل لحظة من مِيتاتنا التي لا حصرَ لها.. الواقع الذي يُغذِّي ينبوع إبداع لا ينتهي، لأنه مترع بالتعاسة والجمال والحنين.. مترعٌ، بما فرض علينا نحن الكتاب، وبتجاوزه للحدود، وبما فيهِ من كتابٍ وشعراء ومتسولين وأوغاد ومحاربين، أن نطلب القليل جداً من المخيلة، لجعل حياتنا معقولة»…
لاشك أنه تفكير، لن يردّ عن نتاجاتنا ما وقعت فيه من سوء التقدير.. إذاً، من الضروري ونحن نرى بأن كُثرٌ جداً من كتاب وشعراءِ هذا الفضاء المفتوح، قد أقاموا فيه وهماً الكثير من الصروح. من الضروري أن نسأل عمن منحَ العديد ممن فسحوا فيه مجال النشرِ في مقابرهم لا منابرهم. عمن منحهم الحق بتقديم امتيازاتٍ وشهاداتٍ، لاتضيف للحاصلين عليها إلا المزيد من عزلتهم.
إنها العزلة التي فرضتها الوسائط الرقمية. تلك التي تحمل رسائل ما أكثر ما تكون وهمية.. رسائل لا يمكن أن تصلْ لأنها تُرسلُ افتراضياً، وإلى من يحتاجون قراءة مضامينٍ يهمُّهم أن تخاطبهم واقعياً.
هو رأيٌ، لا يدينُ فقط هذا الفضاء الذي فرض سطوته وأهميَّته، وإنما أيضاً، تلك الأصوات التي ومثلما هي غير متمكنة أو واعية بخطورة ما تقدمه عبر مسارها الإلكتروني، كذلك هي حتى في مسارها العادي والورقي.
باختصار، علينا وفي ظلِّ هكذا واقعٍ، وأمام ما يحاصر مجتمعاتنا من عيوب ونقائصِ العقلية الفردية-اللامهنية التي يملكها غالبية المسؤولين أو الناشرين في الحياة مثلما في هذه المواقع.. علينا أن نبحثُّ ما أمكننا، عما بحث عنه «ماركيز» عندما أخبرنا:
«حيال هذا الواقع المباغت، الذي كان ممكن له أن يبدو عبر زمن البشرية كله، أشبه بيوتوبيا.. علينا التفكير بأن الوقت لم يفتْ بعد للانطلاق في إبداع يوتوبيا معاكسة. يوتوبيا حياة جديدة وساحقة، حيث لايمكن لأحد أن يقرِّر عن الآخرين طريقة موتهم، وحيث يكون الحب صحيحاً وتكون السعادة ممكنة، وحيث تجد أخيراً وإلى الأبد، السلالات المحكومة بمئة عام من العزلة، فرصة ثانية على الأرض»..
هفاف ميهوب

 

التاريخ: الخميس 4-7-2019
رقم العدد : 17016

آخر الأخبار
دلالات سياسية بمضامين اقتصادية.. سوريا تعزز تموضعها الدولي من بوابة " صندوق النقد الدولي والبنك الدو... سجال داخلي وضغوط دولية.. سلاح "حزب الله" يضع لبنان على فوهة بركان لجنة لتسليم المطلوبين والموقوفين في مدينة الدريكيش مصادرة حشيش وكبتاغون في صيدا بريف درعا The NewArab: الأمم المتحدة: العقوبات على سوريا تحد يجب مواجهته إخماد حريق حراجي في مصياف بمشاركة 81 متسابقاً.. انطلاق تصفيات الأولمبياد العلمي في اللاذقية "لمسة شفا".. مشروع لدعم الخدمات الصحية في منطقة طفس الصحية وزير المالية: نتطلع لعودة سوريا إلى النظام المالي الدولي وقف استيراد البندورة والخيار رفع أسعارها بأسواق درعا للضعفين 34 مركزاً بحملة تعزيز اللقاح الروتيني بدير الزور البنى التحتية والخدمية متهالكة.. الأولوية في طفس لمياه الشرب والصرف الصحي    تستهدف 8344 طفلاً ٠٠ استعدادات لانطلاق حملة اللقاح الوطنية بالسقيلبية  بعد سنوات من الانقطاع.. مياه الشرب  تعود إلى كفرزيتا  جولة ثانية من المفاوضات الأمريكية- الإيرانية في روما أردوغان: إسرائيل لا تريد السلام والاستقرار في المنطقة جنبلاط: هناك احتضان عربي للقيادة السورية واقع مائي صعب خلال الصيف المقبل.. والتوعية مفتاح الحل برسم وزارة التربية النهوض بالقطاع الزراعي بالتعاون مع "أكساد".. الخبيرة الشماط لـ"الثورة": استنباط أصناف هامة من القمح ...