تقوية دعائم الاقتصاد الوطني والتوسع في الإنتاج والتشغيل شكل محوراً مهماً نال فائق العناية طيلة السنوات الثلاث الماضية بهدف مواجهة التحديات، وتثبيت دعائم التنمية الاقتصادية والاجتماعية بما يؤسس لإستراتيجية تنموية قوية.
تحفيز العملية الإنتاجية والتنموية بكافة أشكالها تطلّب إعادة تقييم دور وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية باعتبارها وزارة (سياسات) بالدرجة الأولى وليست وزارة تنفيذية من خلال سلسلة اجتماعات حكومية لتفعيل الإدارة المركزية للوزارة والمؤسسات والهيئات التابعة لتأطير ورسم سياسات اقتصادية حقيقية تتكامل مع السياسات المالية والنقدية وتتناسب ومعطيات الأزمة الحالية، وهو ما ترجم إلى مجموعة من السياسات والبرامج الاستهدافية لإطلاق العملية الإنتاجية وفق أسس سليمة تضمن تحقيق النمو الشامل والمستدام.
وزارة الاقتصاد وفي مذكرة لها بينت أنَّه في نهاية العام الماضي أطلق اجتماع عمل برئاسة المهندس عماد خميس رئيس مجلس الوزراء سياسة إحلال بدائل المستوردات بعد وضع ركائزها الأساسية التي من شأنها تقليص فاتورة الاستيراد للسلع التي يمكن إنتاجها محلياً إلى الحدود الدنيا ووقف استنزاف القطع الأجنبي وتحقيق الاكتفاء الذاتي في عدد من المواد وفقاً لمجموعة من الاعتبارات المتعلقة بكفاءة استخدام الموارد والتركيز على قضايا الجودة والتوجه نحو الصناعات التي تشكل حوامل للنمو وتحمل قيمة مضافة مرتفعة، مع مراعاة الميزة النسبية للاقتصاد السوري وعدم التركيز على إنتاج سلع لا يمكنها المنافسة.
هذا التوجه الجاد لإيقاف استيراد المنتجات التي لها بديل محلّي لم يكن ليحصد النجاح ويحقق الأهداف المرجوة منه في دعم الاقتصاد الوطني لولا دخول القطاع الصناعي مرحلة تعافي واضحة عاد فيها ما يزيد عن 75 ألف منشأة للعمل من أصل 130 ألف منشأة بعد تقديم التحفيزات والتسهيلات المالية والتشريعية لها، وهو ما مهد لاستعادة المنتج الوطني المكانة التي كان يتمتع بها قبل الحرب لجهة المنافسة والجودة والتقدم خطواتٍ نوعية في تلبية احتياجات السوق المحلية واستهداف الأسواق الخارجية، إضافة إلى الزخم الذي شهده القطاع الزراعي بعد زراعة 506 آلاف هكتار من الأراضي المحررة وعودة 261 ألف أسرة زراعية إلى قراها وإعادة إطلاق العمل بمشروع الري الحديث بعد توقفه منذ العام 2012 ورصد ملياري ليرة بشكل أولي قابل للزيادة كدعم لخطوات المشروع واستئناف منح القروض للفلاحين الراغبين بالاستفادة من تقنيات الري الحديث .
وترافق هذا التعافي المطرد للقطاعات الإنتاجية مع زيادة قيمة المستوردات من مستلزمات القطاع الصناعي والزراعي لتصبح 75 % من قيمة المستوردات الإجمالية عام 2018 بدلاً من 64 % في عام 2016، حيث شكلت مستلزمات قطاع الصناعة 63% من مستوردات القطاع الخاص لعام 2018 بعد أن كانت نسبتها عام 2016 تبلغ 54% وشكلت مستلزمات قطاع الإنتاج الزراعي 12% من مستوردات القطاع الخاص عام 2018 بعد أن كانت نسبتها 10% عام 2016.
كما بلغت كمية الخيوط المستوردة ومستلزمات صناعة الألبسة 56.5 ألف طن عام 2018 مقابل46 ألف طن عام 2016، وبلغت كمية قطع التبديل المستوردة لمعدات ووسائل الإنتاج أو النقل العام الماضي95 ألف طن قابلها 60 ألف طن عام 2016، في حين بلغت كمية خطوط الإنتاج والآلات المستوردة 21 ألف طن عام 2018 و5 آلاف طن عام 2016، وكمية صفائح ولفائف الحديد المستوردة العام الماضي 201 ألف طن مقابل 87 ألف طن عام 2016، والأخشاب المستوردة العام الماضي 250 ألف طن بعد أن كانت 123 ألف طن عام 2016.
وزارة الاقتصاد أوضحت أن إطلاق برنامج إحلال المستوردات الذي اختار 40 سلعة استناداً إلى وزنها النسبي في قائمة المستوردات، سبقه دراسة كل سلعة من هذه السلع بشكل منفصل لناحية واقع إنتاج هذه السلعة والمعامل التي تقوم بإنتاجها سواء العاملة أم المتوقفة وأماكن تواجدها وطاقتها الإنتاجية وحجم الاحتياجات وإمكانية المنافسة، وبناء على هذه الدراسات تم تحديد أولويات التدخل على مستوى كل سلعة وتصميم السياسات الحمائية والإجراءات الضرورية بما فيها تقديم الدعم اللازم وبالشكل الذي يتفق مع احتياجاتها الفعلية المبنية على تقييم دقيق للواقع.
ومن خلال المتابعة الحكومية المستمرة للبرنامج والمعوقات التي تعترضه بهدف اجتراح الحلول لها، تم الانتهاء من تقييم واقع العديد من الصناعات مثل صناعة الخميرة والورق والإطارات والأدوية النوعية والزيوت والنشاء والقطر الصناعي والصناعات النسيجية بأنواعها من الغزول والنسيج والمصابغ والألبسة، وتحديد السياسات والإجراءات اللازمة للنهوض بهذه الصناعات ليتم إقرارها في مجلس الوزراء وإحالتها إلى الوزارات المعنية بالتنفيذ، وعلى التوازي يجري العمل على تقييم واقع واحتياجات مجموعة أخرى من الصناعات مثل الحبيبات البلاستيكية والتجهيزات المنزلية وغيرها.
سلسلة إجراءات نوعية تم اتخاذها لدعم القطاعات ذات الأولوية فيما يتعلق ببرنامج إحلال المستوردات، فتم تخصيص 20 مليار ليرة من الموازنة العامة للدولة لدعم أسعار الفائدة على القروض الممنوحة للمشاريع الإنتاجية، حيث قامت وزارة الاقتصاد بوضع اتفاق إطاري مع المصارف العاملة في سورية يحدد الاستفادة من دعم أسعار الفائدة حيث سيتم عند دخول الاتفاق حيز التنفيذ الفعلي إطلاق مجموعة من البرامج منها دعم إقامة منشآت لصناعة الورق وبرنامج لدعم سعر الفائدة لصناعة النشاء والقطر الصناعي وبرنامج دعم سعر الفائدة لإعادة تشغيل المداجن المتوقفة، كما يتم التحضير لبرامج لدعم أسعار الفائدة لصناعيي القابون المنتقلين إلى المنطقة الصناعية بعدرا.
وباعتباره شريكاً حقيقياً لا يمكن تجاهل دوره في تحقيق عملية التنمية الشاملة شهدت الفترة الماضية لقاءات مكثفة مع ممثلي القطاع الخاص لتأمين متطلبات تعزيز دور هذا القطاع الحيوي المهم في إنجاح سياسة إحلال بدائل المستوردات، من خلال تحديد معايير الاستهداف التي يتم بناء عليها اختيار المشاريع /القطاعات المستهدفة بالدعم، ووضع برامج مفصلة للدعم لكل قطاع أو نوع من المشاريع تشمل المعيار المكاني أي استهداف مناطق محددة بالتنمية ومعيار نوع المشروع بما ينسجم مع الأولويات التنموية للمرحلة ومعيار إعادة تشغيل المشاريع المتضررة بالإضافة إلى المعيار التقاني والمعيار الاجتماعي، بالتوازي مع التحديد الواضح لآلية الحصول على الدعم والجهات المسؤولة عن تنفيذ البرنامج .
فالسياسة الاقتصادية التي اتبعتها الحكومة خلال العامين الأخيرين لجهة توفير متطلبات الاعتماد على الذات فرضت تحدياتٍ مهمة تتعلق بحماية الإنتاج المحلي، ليس فقط من زاوية حماية ما هو قائم، ولكن أيضاً حماية ما سوف يتم ــ وما ينبغي ــ استحداثه أو تطويره من الطاقات الإنتاجية للوفاء باستحقاقات المرحلة القادمة، حيث تم منع استيراد بعض المواد المسموحة التي وصل الإنتاج المحلي منها إلى تلبية حاجة السوق كأقمشة المفروشات والستائر والأقمشة المصنرة وغيرها وفرض (ضميمة) على السلع المستورة التي يكون الإنتاج المحلي منها غير كاف حالياً لحماية السلع المحلية من المنافسة ومساعدتها على النهوض وزيادة الإنتاج مثل فرض ضميمة على السيراميك بمعدل 700 ليرة للمتر المربع و 100 ليرة للتر البيرة، و 500 ليرة للكيلو من الزيوت المعدنية الجاهزة و 30 % من الرسم الجمركي وفق السعر العالمي بشكل شهري بالنسبة للكابلات .
إضافة إلى وضع أسعار استرشادية عالية لحماية الصناعة المحلية المماثلة التي يسمح بالاستيراد منها لعدم كفاية الإنتاج المحلي، وتخفيض الأسعار الاسترشادية للأعلاف إلى أدنى حد ممكن للمساعدة في إنهاض قطاع الثروة الحيوانية من خلال وصول هذه الأعلاف بأقل تكلفة ممكنة ودعماً لمربي الثروة الحيوانية (150 دولاراً للطن من الذرة العلفية و 325 دولاراً للطن من بذور الصويا و 375 دولاراً للطن من كسبة الصويا ).
جملة خطوات تنموية لا يمكن فصلها عن بعضها البعض حين الحديث عن إحداها منفردة، لأن كلّ خطوة هي مرحلة سابقة ولازمة لإنجاح ما بعدها من خطواتٍ، وهو ما يؤكد من جديد ضرورة توسع مظلة الدعم المقدم للقطاعات الإنتاجية بحيث تغطي مجالات أوسع وأكثر نوعية أملاً في أن يستعيد الاقتصاد الوطني ألقه المعهود قبل بداية الحرب الإرهابية التي تتصدى لها سورية.
دمشق – ماجد مخيبر
التاريخ: الأربعاء 10-7-2019
رقم العدد : 17020