أياديهم الصغيرة اعتادت أن تتسول وتستجلب الشفقة والإحسان , وألفت عيونهم أن لا ترى فيما يحيط بها إلا ما يجلب لها استدرار عطف الآخرين وسحب أي مبلغ من جيوبهم التي يخالونها عامرة بما حرموا هم منه.
ولعل خير الأعمال أن تجعل هذه الأيدي التي اعتادت أن تمتد لتتسول وتستجدي الصدقة أن تحولها إلى العمل اللائق في أشياء أكثر فائدة وأعلى قيمة إنسانية.
في بازار فاقدي الرعاية الأسرية الذي تقيمه سيار على هامش فعالياتها بيوم المتشرد والتي سعت من خلاله الى جعل هذه الاحتفالية ليست للرقص والغناء والرسم فقط , وإنما لتعميم ثقافة ومفهوم جديد هو أن هذه الأيدي التي تتسول قادرة على العمل بمجالات أكثر نفعا وبمردود مالي أعلى قيمة قياسا بالربح الذي يحققه بالتسول، بيد أنه يرتقي به إنسانيا واجتماعيا ويحظى بالاحترام وفقا لقيم المجتمع.
الأيادي التي أبدعت بدل التسول
بقاعة المعرض للمركز الثقافي في أبي رمانة تنوعت الأعمال اليدوية للأطفال ,وشملت أواني الخزف والفخار والزهور وزراعة الشوكيات والقطع التذكارية ومصنوعات منزلية في غالية البساطة والجمال , كما أظهر البازار ارتفاع المستوى الحسي والفني لديهم من خلال استخدامهم مواد طبيعية من البيئة المحلية قد أعيد تدويرها وتجديد استخدامها بمساعدة متطوعين من سيار وآخرين من الشباب الذين نذروا أنفسهم للعمل التطوعي وقد ساعدوا هؤلاء الأطفال على إظهار القدرات الكامنة لديهم ,وأنه يمكن إعادة تأهيلهم وصناعة أفراد مفيدين لأنفسهم ومجتمعهم وقابلية انخراطهم في البيئات السويّة في حال توفّر الاهتمام والرعاية الحقيقية والمسؤولة.
عين أخرى للرؤية
باتت قضية تشرد الأطفال وعمل معظمهم في التسول من القضايا التي يجب على المجتمع حل اشكالياتها وتغيير مسارها إلى رؤية جديدة أكثر فعالية, وبات من الضروري أن يرى الناس هؤلاء الأطفال بعين جديدة بعيدة عن عواطف الشفقة والإحسان , وهذا ما تؤكده لمى النحاس رئيس مجلس إدارة مؤسسة سيار والتي تسعى لتغيير المفهوم السائد لدى الجميع فيما يخص قضية تشرد الأطفال, هي في هذا المجال تعمل على عدة مسارات أهمها أن يمتنع الناس عن تقديم النقود لهم لأنهم بذلك يطيلون أمد التشرد ويجعلون المتشردين يتعمدونها طريقة لكسب العيش.وهذه الخطوة جوهرية لقطع مصادر تمويل التسول , وعلى الشق الآخر تعمل سيار بالتشاركية مع جميع الفعاليات المجتمعية والرسمية على ترسيخ ثقافة العمل بل التسول لدى هؤلاء الأطفال. وهنا تضيف السيدة لمى إننا نعمل على الحد من عمالة الأطفال ولا نسعى لتشغيلهم في سن مبكر، إنما الهدف أن يرى الأطفال الوجه الآخر للأشياء وأن هناك آفاقاً أخرى وحياة أخرى يجب أن يعيشها ويسعى إليها, وأن يدرك الأطفال أن أعمالهم سوف يراها الآخرون وتنال تقديرهم وإعجابهم وتكون مصدر رزق شريف لهم. هؤلاء الأطفال يستحقون حقا فرصة أخرى.
حياة مختلفة
تصطدم مكافحة ظاهرة التشرد والتسول بعدة عوائق أهمها معارضة الأهل ورفضهم تدخل أي جهة أخرى في حياة أطفالهم لمنعهم من التسول وهناك قوانين غير مفعّلة تدعم رفضهم, بل يحاربون ويناصبون العداء لأي شخص يتدخل في حياة أولادهم حتى لو كان هذا لمصلحتهم , وتتحدث لمى النحاس عن ضغوطات وإرباكات وتهديدات وصلت لحد القتل ان تقربوا من الأولاد.
وتضيف: لكن مع مرور الوقت والصبر واتباع أساليب متنوعة ومشوّقة.والطفل كائن حساس يحب من يهتم به والاهتمام بوابة الإبداع ,لهذا بات الأطفال يهربون من أهلهم ويأتون إلينا ..لأنهم وجدوا عندنا الحب والرعاية لأحاديثهم ويعرفون جيدا أننا نحبهم ولا نضمر لهم الأذية كما كانوا يتوهمون أو كما كان يزرع في عقولهم..هنا يجدون الأمان والراحة واللعب والمرح مع متخصصين يستمعون لهم بعناية لكسب ودّهم وكي نستطيع بعدها فتح آفاق إدراكهم لحياة مختلفة كليا عن حياتهم التي يسعى أهلهم لتكريسها في نفوسهم.
ثناء أبو دقن
التاريخ: الخميس 18-7-2019
رقم العدد : 17027