جربت منظومة العدوان ككل، الكثير من السيناريوهات التخريبية لإبقاء كرة الإرهاب ملتهبة في سورية، وكلما حطم الجيش العربي السوري أذرعا لأقطاب العدوان واستعاد المزيد من المناطق، واقترب من إنجاز النصر النهائي على الإرهاب، تلجأ تلك المنظومة لأساليب جديدة بهدف إطالة أمد الأزمة، سواء أكان ذلك على الصعيد الميداني بزج إرهابيين جدد بعد تدريبهم وتسليحهم، أم على الصعيد السياسي عبر تفخيخ كل الطرق المؤدية لإيجاد حل ينهي معاناة السوريين ومآسيهم.. واليوم يتصدر جناحا الإرهاب الأميركي والتركي مشهد التصعيد، والدفع بالأزمة نحو المزيد من التعقيد، كونهما الخاسر الأكبر عندما يتم دحر الإرهاب نهائيا عن الأراضي السورية.
نظام أردوغان وإدارة ترامب يلتقيان اليوم حول النقطة المشتركة ذاتها، وهي رفع درجة التنسيق لإبقاء بؤر الإرهاب مشتعلة في ادلب أو في الجزيرة السورية، ولكل أدواته الخاضعة بمجملها لتنفيذ المشروع الصهيو-أميركي في استهداف سورية ودول المنطقة برمتها، وقد يكون الاتفاق العدائي بحق سورية بين الاحتلالين التركي والأميركي حول ما يسمى «المنطقة الآمنة» المزعومة مقدمة أخرى لمرحلة عدوانية جديدة، يحاول الجانبان خلالها تحشيد المزيد من المرتزقة، واستنساخ هياكل إرهابية جديدة يتم نشرها على جغرافية تلك المنطقة لتكون حاضنة لهم، وخزان إمداد إضافياً لإرهابيي «النصرة وداعش»، أو ميليشيا «قسد» الانفصالية.
قطبا الإرهاب الأميركي والتركي حاولا كثيرا الإيحاء بأنهما على طرفي نقيض، وبأن ثمة خلافات تعصف بينهما حول إدارة دفة الإرهاب، ولكن الوقائع تشير إلى أنهما ينسقان في كل جزئية من شأنها إطالة عمر الأزمة، فكلاهما يدعمان بشكل مستميت إرهابيي «النصرة» ومن ينضوي تحت رايتهم التكفيرية في ادلب، ويقدمان لهم الغطاء السياسي على المنابر الدولية.. ومجلس الأمن و»آستنة» مثال على ذلك، ويسعيان معا لتعويمهم «كمعارضة معتدلة»، وكلاهما أيضا يستخدمان مرتزقة «قسد» لتحقيق أطماعهما التوسعية، حيث تشحذهم واشنطن كسكين مسموم ينخر في الجسد السوري، فتمتطي سرجهم للتربع على ثروات الجزيرة السورية، وأنقرة تهول كثيرا من خطرهم لإيهام الرأي العالمي بأن عدوانها واستباحتها للأراضي السورية هو بغرض حماية ما تسميه أمنها القومي، لتكون النتيجة في النهاية تثبيت الجانبين الأميركي والتركي تموضعهما الاحتلالي بعد فرض واقع التقسيم، وهو هدف رئيس وراء الحرب الإرهابية التي تشنها منظومة العدوان.
ليس من قبيل المصادفة أن يرسل أردوغان اليوم تعزيزات عسكرية ضخمة إلى منطقة خفض التصعيد لمؤازرة إرهابيي «النصرة» الذين يتقهقرون أمام ضربات الجيش، في الوقت ذاته الذي ترسل فيه الولايات المتحدة مئات الشاحنات المحملة بالأسلحة والذخيرة لمرتزقة «قسد» في الجزيرة السورية، وليس من قبيل المصادفة أيضا أن يسعر إرهابيو النصرة جرائمهم بحق المدنيين عبر استهدافهم المتواصل للمناطق الآمنة، فيما ترفع ميليشيا «قسد» منسوب بلطجتها وممارساتها القمعية بحق الأهالي في الجزيرة السورية، وهذا يثبت أن «قسد» و«النصرة» و«داعش» وغيرها تتلقى أوامرها من غرفة عمليات مشتركة، يديرها الأميركي والتركي معا، لتحقيق هدف مشترك يصب في خدمة المشروع الصهيوني الكبير.. ولكن هذا المشروع لن يكتب له النجاح في أي مرحلة قادمة، لأنه سبق وأن تكسر مرارا بكل مفرداته وأدواته على صخرة صمود شعوب المنطقة، وعلى رأسها سورية رأس هرم المقاومة.
كتب ناصر منذر
التاريخ: الأحد 11-8-2019
رقم العدد : 17047