الملحق الثقافي- عقبة زيدان:
وصلنا إلى المرحلة التي كنا نرتعب من مجرد التفكير فيها، أي: أن نعيش معزولين عن بعضنا البعض، رغم أننا نعيش معاً!
نحن كجزر معزولة، نفكر بشكل مستقل، وحين نريد أن نتواصل، فإن نغلق باب غرفنا، أو ننغلق على أنفسنا داخل شاشاتنا الإلكترونية، وننقر على الأحرف أو نجري اتصالاً صوتياً أو صورياً، وننأى عن بعضنا البعض، وهنا ينتهي الأمر.
هذه الوحشة ليست فكرة جديدة، إنها مطروقة في الأدب، عبر كثير من الكتاب والشعراء، ومنهم صموئيل بيكيت وهرمان هيسه وغيرهما، ولكننا الآن غرقنا فيها، ولم يعد لنا مخرج منها على المدى المنظور.
يستعيد زيغمونت باومان فكرة الوحشة والوحدة الإنسانية، ويؤكد أننا فعلاً نعيش في غرف يسميها «غرف الصدى»، أي أننا لا نسمع سوى أنفسنا، ونقصي من يخالفنا الرأي، مع أنه يمكننا التواصل مع أناس يعيشون في أمكنة بعيدة عنا، أو في الجهة الأخرى من الكرة الأرضية. ويلفت باومان النظر إلى أن مخترع الفيسبوك مارك زوغربيرغ قد أصبح ملياديراً من خلال استغلاله لفكرة شعور الإنسان الحالي بالوحدة والعزلة.
منذ بداية عصر الآلة الحديث، تنبه الفنانون والمفكرون والأدباء إلى أننا سنتحول إلى أجزاء من هذه الآلة القاتلة، وسننتهي إلى كائنات لااجتماعية، ضارية، كئيبة، وفاقدة للشعور بالتعاطف الإنساني. وها نحن الآن ندرك أن هذا حصل، ولا شيء بأيدينا لنفعله. إننا نفقد وجودنا الحي، ونستبدله بوجود وهمي؛ حيث تتشظى أحلامنا الجميلة، ونقع فريسة الكوابيس شديدة البشاعة.
التاريخ: الثلاثاء20-8-2019
رقم العدد : 17051