لا يزال نظام أردوغان ومشغله الأميركي يراهنان على الوقت للتمكن من إعادة تدوير تنظيماتهما الإرهابية، ومواصلة الاستثمار بأدوارها الوظيفية، عبر امتلاك المزيد من الأوراق التفاوضية، ووسائل ضغط وابتزاز إضافية للتأثير على أي مسار سياسي قادم.. والسلوك العدواني المتصاعد لكلا الجانبين، لا ينفصل عن سياق أجندتهما المعدة لتقسيم سورية وإضعافها.
الطرفان يحاولان إظهار الخلاف في العلن حول الكثير من الجوانب المتصلة بدعمهما للإرهاب، وإدارة دفة عمليات المرتزقة على الأرض، ولكن الوقائع والمعطيات تؤكد بشكل لا لبس فيه مدى التنسيق الحاصل بينهما حتى في أدق التفاصيل بما يخص المشهد العدواني بشكل عام، فحتى ما يسمى «المنطقة الآمنة» المزعومة، ورغم كل ما يظهرانه من خلافات شكلية تتصل بحجم تلك المنطقة وأبعادها، والأهداف العدوانية وراء إنشائها، إلا أنهما يستثمرانها إعلاميا للمحافظة على وجودهما الاحتلالي في الجزيرة السورية لأطول وقت ممكن، وإذا كان هدف نظام أردوغان من تلك المنطقة إيجاد ملجأ آمن لإرهابييه، فهدف أميركا حماية مرتزقتها «قسد» لتكون ذراعها الدائم على الأرض السورية، وفي النتيجة فإن ميليشيا «قسد»، وإرهابيي أردوغان على مختلف أشكالهم وتسمياتهم وجهان لعملة واحدة، ويؤديان نفس الغرض الذي يخدم مشروع التقسيم الصهيوأميركي، ويشكل نظام أردوغان رأس الحربة فيه.
وفي ادلب يعمل التركي ومشغله الأميركي معا من أجل الحفاظ على إرهابيي «النصرة»، فيمدهم نظام أردوغان بكل لوازم الدعم التسليحي واللوجستي، فيما يجهد الأميركي لتسويقهم «كمعارضة معتدلة» وفرضهم كجزء رئيسي في أي مفاوضات لاحقة، وطلب تركيا اليوم تمديد وقف إطلاق النار في منطقة خفض التصعيد والتي نفذها الجيش العربي السوري منذ يوم السبت قبل الماضي واستمرت لمدة 8 أيام، لا تحيد عن رغبة التركي والأميركي معا في استثمار الوقت الإضافي من أجل إعادة ترميم صفوف الإرهابيين بعد هزائمهم المتلاحقة بريفي حماة وإدلب، وهذا الأمر سبق أن حصل مرار وتكرارا بعد كل هزيمة لإرهابيي «النصرة» ومن ينضوي تحت رايتهم التكفيرية، وبحسب المعلومات الميدانية فإن التنظيمات الإرهابية الرافضة للانسحاب من منطقة خفض التصعيد، تستغل قرار وقف إطلاق النار بتعزيز مواقعها وزيادة عدد تحصيناتها بإشراف تركي وأميركي، لإعطاء ضامن الإرهابيين أردوغان ورقة ضغط جديدة في «آستنة» القادم بعد نحو أسبوع.
الجنوح الأميركي والتركي نحو إرباك المشهدين الميداني والسياسي، وإعادة الأمور إلى المربع الأول، يؤشر إلى مرحلة أخرى من أشكال الحرب الإرهابية على سورية، تجرب فيها منظومة العدوان سيناريوهات جديدة بعد فشل سابقاتها.. ولكن وقائع الميدان والمعطيات الجديدة على الأرض تؤكد باليقين القاطع أن أي مخططات عدائية جديدة، وفي أي مرحلة كانت سيكون مصيرها الفشل المحتوم.
ناصر منذر
التاريخ: الأربعاء 11-9-2019
رقم العدد : 17072