لا يخفى على أحد أزمة النقل الخانقة التي تعيشها العاصمة دمشق، والتي بات فيها حجز مقعد أو حتى مكان للوقوف في وسيلة نقل، أمنية يومية بعد انتظار قد يطول لوقت يفقد فيه الشخص حماسه للعمل والدراسة، لكن ما يجعل الإحباط يتسلل بشكل أكبر إلى دواخل المواطن هو تلك القرارات التي تصدر من المعنيين في العديد من القطاعات لتبقى حبراً على ورق حبيسة الأدراج، فبأي حق يطالبون المواطن بعدها بأن يثق بما هو آت؟ ومن أين يأتي بتلك الثقة التي باتت موشومة بالكثير من الاستهتار والاستخفاف بما يعانيه.
ولعل ما يعنينا هنا هذه المرة القرار الذي صدر نهاية العام الدراسي بوقف منح موافقات تبديل الخطوط للسرافيس لنقل الطلاب والموظفين، على أن تقوم المدارس والمؤسسات بتأمين وسائل نقل لطلابها وموظفيها ولا تعتمد على السرافيس التي تعمل على خطوط داخلية لأن هذه الأخيرة مهمتها تخديم تلك الخطوط فقط، متوعدين كل مخالف بالغرامة والحجز.
إلا أن ما نشاهده اليوم على أرض الواقع يثبت أن القرار لا يساوي ثمن الحبر الذي كتب به لأنه أصبح وراء ظهور أصحاب وسائقي تلك السرافيس حيث لم يلقوا له بالاً فهم يدركون أن معظم القرارات لن تطبق وإن طبقت فاختراقها ليس بالأمر العسير، واليوم نشاهد عشرات السرافيس تنقل الطلاب من مختلف الأعمار وقد تكدسوا في المقاعد في مشهد يشي بتقصير خطير من جميع الجهات المعنية ولا سيما وزارة التربية التي وعدت بالكثير لكن من يتابع الشكاوى التي ترد منذ بداية العام الدراسي يدرك أن حجم التصريحات أكبر بكثير من حجم الفعل المراد.
وكي لا نخرج عن سياق موضوعنا حول نقل السرافيس لطلاب المدارس وتجاهل حاجة المواطن للنقل فإن خروج عشرات السرافيس عن الخدمة خلال ساعات الذروة الصباحية والمسائية يساهم بمزيد من المعاناة والأزمة الخانقة للنقل في دمشق ومحيطها، ولعل المشهد اليومي في مركز انطلاق جسر السيد الرئيس في منطقة البرامكة على سبيل المثال والأعداد الكبيرة من المواطنين على محطات الانتظار لهو أبلغ من آلاف الكلمات التي يمكن أن تكتب للتعبير عن هذا الواقع المزري الذي وصل إليه وضع النقل في دمشق والفوضى التي تحكم عمل سيارات الأجرة العامة (التاكسي) واستغلال حاجة المواطن المرهق أصلاً من الضغوط المعيشية والحصار الاقتصادي الجائر لسورية، فهل يعقل ألا تستطيع الجهات المعنية إيجاد آلية لحل مثل هذه الجزئيات التي يمكن أن تخفف على الأقل بقدر ما من مشكلات النقل، وتبقى المشكلات معلقة تسهم في توسيع الهوة بين المواطن والمسؤول وتعزيز أزمة الثقة التي تتفاقم مع كل قرار لا يتماشى مع الواقع الذي يعيشه المواطن أو يساء تطبيقه أو لا يطبق من الأساس.
ثورة زينية
التاريخ: الجمعة 13-9-2019
الرقم: 17074