البــرلمـــــان الأوروبــــي هــــل يعيــــد كتابـــــة تاريــــخ الحـــرب العالميــــة الثانيــــة؟
البرلمان الأوروبي متهم بإعادة كتابة التاريخ منذ تبنيه في 19 أيلول الماضي لقرار (أهمية الذاكرة الأوروبية من أجل مستقبل أوروبا): (العار)، (التحريف التاريخي) و(التلاعب).. لقد تم انتقاد هذا النص الذي يشير بشكل رئيسي إلى الجرائم التي ارتكبت في ظل النظامين النازي والسوفييتي، هل كان يقصد من نص كهذا الإشارة إلى حقائق تاريخية دقيقة أم مزيفة؟.
ما يقول النص:
الهدف من هذا الجدل هو التوصل إلى قرار حول أهمية الذاكرة الأوروبية من أجل مستقبل أوروبا، وتم التصويت عليه في 19 أيلول الماضي: حيث تبناه أغلبية أعضاء البرلمان الأوروبي بدءاً من حزب الشعب الأوروبي وحتى حزب الخضر مروراً بالحزب الاجتماعي- الديمقراطي ومجموعة وسط اليمين.
كتب هذا القرار بمناسبة الذكرى الثمانين للحرب العالمية الثانية، وتناول الصراع من خلال منظور الضحايا الأوروبيين لتلك الحرب.
يشير نصّه إلى (الأنظمة الشمولية) يعني (الديكتاتوريات الشيوعية والنازية وغيرها)، ويدعو لتكريم ضحايا شعوب تلك الأنظمة، وإلى الاعتراف بالعدوان المشترك في أوروبا وما خلفه من جرائم.
كما تمت الإشارة أيضاً إلى الاتفاق الألماني- السوفييتي المعروف باسم حلف مولوتوف- ريبنتروب هذا الاتفاق الدبلوماسي- العسكري الذي وقع في 23 آب 1939 في موسكو بين ألمانيا النازية والاتحاد السوفييتي بعد الاعتداء المتبادل بين القوتين، ولكن ليس هذا فقط الاتفاق أيضاً في البروتوكولات السرية ومشاركة أوروبا الشرقية في ذلك.
بالنسبة للاتحاد الأوروبي جرت الحرب العالمية الثانية هذه الحرب المدمرة في تاريخ أوروبا كنتيجة مباشرة لمعاهدة عدم «الاعتداء الألمانية السوفييتية» الشهيرة.
ماذا يقول النقاد؟
واجه النص الذي تبناه أعضاء البرلمان الأوروبي انتقادات واسعة، أولاً أنه (يضع الشيوعية والنازية على قدم المساواة) ندد بذلك مدير صحيفة لومانتييه باتريك لوهياريك في افتتاحيته، واحتج أيضاً بأن وجه لهذه الاتفاقية كسبب رئيس في اندلاع الحرب. ويرى عضو البرلمان الأوروبي هذا ويرى أن هناك أموراً معادية لروسيا تجري في الخفاء يحركها أجيال من المؤرخين في تفسيرهم لسبب اندلاع الحرب العالمية الثانية، ووفقاً لأكاديميين ومثقفين وفنانين في صحيفة ليبربلجيك «على المؤرخين التمكن من كتابة أبحاثهم بعيداً عن التهديد السياسي.
لا للتحريف:
هل يعتمد الاتحاد الأوروبي في قراره على تزييفات تاريخية في أسباب الحرب؟
في لقاء لصحيفة اللوموند مع المؤرخة آنيت فيفيروكا ترى أن الحرب العالمية الثانية هي نتيجة أسباب جذرية عديدة: فالحرب العالمية الأولى 1914- 1918 لم تسو شيئاً، الأزمة الاقتصادية، تنازلات الغرب المتتالية… مع ذلك فإن الاتفاق الألماني- الروسي أزال كل العراقيل.. الجميع كان يتوقع هذه الحرب قبل سنوات من ذلك حيث كانت أوروبا باروداً موقوتاً.
تقول المؤرخة صوفي كوريه (القرار غامض، لأن كتابة التاريخ أمراً لا يعود للبرلمانيين)، بالنسبة للمؤرخيين، يفتقد القرار إلى المضمون التاريخي، سواء كان حول جذور الصراع أو الدور الذي لعبه لاحقاً الاتحاد السوفييتي في سقوط النظام النازي أو الثمن الذي دفعه في الصراع.
نقطة التقاء الذاكرتين:
بعض النقاد ينتقدون نواب الاتحاد الأوروبيين لأنهم يريدون المقاربة بين ألمانية النازية وسلطة ستالين، فاستخدام مصطلح (الشمولية) لوصف النظامين له ما يبرره، تقول آنيت: لكن إذا كان هناك نقاط مشتركة بين النظامين هذا لا يعني أن نقول إنهما توأمان.
بالنسبة لصوفي كوريه لا يرمي النص إلى المقارنة بين النازية والستالينيه، فغايته الأولى تكريم ضحايا الحرب العالمية الثانية والدعوة للمقاربة بين شطري أوروبا.
الناطقة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا وصفت النص بـ(مجموعة بيانات رجعية) وأن التأكيد حول الاتفاق الألماني الروسي ( لا علاقة له بالوقائع التاريخية).
مع أنه عام 2009 كان قد وصفه بوتين بـ(غير مقبول أخلاقياً)… لكن عام 2015 برر الرئيس الروسي توقيع اتفاق مولوتوف بقوله: (عندما أدرك الاتحاد السوفييتي أنه ترك بمفرده لمواجهة ألمانيا التي كان يتزعمها هتلر، اتخذ ستالين خطوات لتجنب المواجهة المباشرة، وبهذا تم توقيع اتفاق مولوتوف- رينبتروب.
هل كان يقصد من الاتفاق (كسب الوقت) من الجانب السوفييتي؟ تقول أنيت فيفيوركا و(أي مؤرخ جاد لا يقول ذلك اليوم)، فيما تقول صوفي: (إنها فرصة للفوز بالأراضي بالنسبة لستالين من خلال المذابح والترحيل الجماعي).
ترجمة: سراب الأسمر
التاريخ: الاثنين 21-10-2019
الرقم: 17103