بعد نحو شهر على العدوان التركي المتواصلة فصوله الإجرامية والدموية على الشعب السوري، يبدو المشهد في الشمال السوري أقرب الى الانزياح نحو متغيرات حاسمة قد تكون مقدمة لتثبيت قواعد الاشتباك التي رسمتها ووضعتها الدولة السورية وحلفائها على الأرض.
فبالرغم من المحاولات الأميركية والتركية المحمومة لإجهاض تطبيق الاتفاقات المبرمة بين موسكو والنظام التركي، ولاسيما (اتفاق سوتشي) بمراحله الجديدة والمتقدمة التي تعهد بتنفيذها أردوغان خلال لقائه الأخير مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لا تزال الدولة السورية تتحكم بزمام الأمور بالمطلق ولا تزال تدفع في كل مرة بتلك المحاولات المتواصلة لأطراف الإرهاب الى الجحيم من خلال الانتشار السريع للجيش العربي السوري في معظم البلدات والقرى والمدن الحدودية مع تركيا، وهو الأمر الذي أدى إلى كبح جنون وجموح قوات الاحتلال التركي.
التشابك في خيوط الميدان بالشمال السوري، بدا واضحاً خلال الأيام القليلة الماضية وهو ما قد يشعل فتيل صراع جديد بين الأطراف الفاعلة والمؤثرة على الأرض، ولاسيما بين روسيا من جهة، وبين الولايات المتحدة وتركيا من جهة أخرى، وخاصة أن واشنطن وأنقرة لا يزالان يدوران في فلك الأوهام والطموحات الاحتلالية والاستعمارية.
فالولايات المتحدة تجهد وبشكل حثيث لإثبات وجودها على الأرض وفرضه بمنطق القوة والطغيان والاحتلال والأمر الواقع، وذلك عبر تسيير دوريات في المناطق الخاضعة لاتفاق خفض التصعيد، حيث واصلت قوات الاحتلال الأميركي خلال الأيام القليلة الماضية -وتحديداً بعيد تصريحات الرئيس ترامب التي قال فيها إنه قوات بلاده سوف تبقى في سورية للسيطرة على آبار النفط – تكثيف دورياتها في المناطق التي تقع بين القامشلي و المالكية في الشمال الشرقي بهدف عرقلة انتشار الجيش العربي السوري ودعم قوات الاحتلال التركي لتنفيذ ما تم الاتفاق عليه بين ترامب وأردوغان فيما يتعلق بما يسمى إنشاء (منطقة آمنة ) تحتوي إرهابيي ومرتزقة النظام التركي، كذلك، عزّزت قوات الاحتلال الأميركية من تواجدها في مناطق ريف دير الزور الشمالي الشرقي وهي المناطق التي تقع فيها آبار وحقول النفط السورية، في وقت تسربت فيه بعض المعلومات عن اعتزام (قوات التحالف الأميركي) بناء قاعدة عسكرية في بلدة الصور شمال دير الزور، لتكون قاعدة رئيسية ثابتة للتحالف الأميركي في المحافظة.
بالتوازي وبالتنسيق مع حليفته الولايات المتحدة، يواصل النظام التركي عدوانه وجرائمه بحق الشعب السوري حيث تتصاعد وتيرة الانتهاكات والجرائم التي يقوم بها إرهابيو ومرتزقة أردوغان بحق أبناء الشعب السوري في المناطق التي احتلوها ودنسوها، حيث تتواصل عمليات القتل والسلب والنهب وحالات الإعدام الميدانية للمدنيين الذين يرفضون وجود المرتزقة والخونة وقوات الاحتلال التركي، وهذا بهدف إجبارهم على الرحيل ومنع عودتهم بهدف إحلال مرتزقتهم من الإرهابيين وعائلاتهم بشكل نهائي في منازل الأهالي بعد تهجيرهم، وبينت مصادر أهلية أن الأهالي يتعرضون يومياً لعمليات خطف واعتقال وتتم مصادرة أرزاقهم من قبل عناصر جيش النظام التركي والمجموعات الإرهابية المدعومة من الاحتلال التركي بطريقة تظهر محاولاتهم المستميتة لترحيلهم من منازلهم.
التناغم الأميركي التركي على الأرض، يؤكد مجدداً طبيعة وحقيقة العلاقة العضوية الوثيقة بينهما كأصحاب مشاريع احتلالية واستعمارية، ولاسيما في ظل تكشف معلومات جديدة عن قيام ترامب بإعطاء الضوء الأخضر لأردوغان لشن عدوانه على سورية ، على اعتبار أن هذا الأمر يرتبط بعدة أمور وقضايا سياسية وإستراتيجية، تبدأ من الحفاظ على العلاقة الإستراتيجية بين واشنطن وأنقرة كحليفتين وشريكتين في تدمير المنطقة وإحياء المشاريع والمخططات الاستعمارية والسيطرة على ثرواتها ومقدراتها، وهذا ما قاله صراحة الجنرال مارك ميلي رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية مع بدء العدوان التركي عندما أعلن صراحة أن بلاده لا يمكنها التخلي عن تركيا مقابل بعض المجموعات، وهذا بعيداً عن الغايات والأهداف التي يحققها العدوان التركي على سورية للولايات المتحدة، بدءاً من معاقبة اردوغان على خلفية ارتمائه في الحضن الروسي وشرائه لمنظومة الإس 400 الروسية، ومحاولة فرض شروطه وخطوطه على الأميركي، مروراً بتوريط النظام التركي ودفعه إلى عمق الرمال المتحركة التي لا يستطيع الخروج منها بالمنظور والرؤية الأميركية إلا بالمساعدة الأميركية التي لن تكون إلا بشروط تفرضها وتحددها الولايات الأميركية على آجندة بازار جديدة، وهذا ما أشارت إليه صراحة صحيفة (لوس أنجلس تايمز)الأميركية التي نقلت عن المتحدث باسم البنتاغون الأميركي جوناثان هوفمان قوله: (إن شمالي سورية لن يكون سوى كأس مسمومة سوف يتجرعها أردوغان بمفرده ؟!).
وفي سياق الواقع الميداني الذي يؤكد امتلاك الدولة السورية لزمام الأمور في الشمال السوري فقد واصلت وحدات من الجيش العربي السوري تعزيز انتشارها في محيط مدينة منبج بريف حلب الشمالي الشرقي ومحيط عين العرب الحدودية لتأمين حماية الأهالي في المنطقة ومواجهة أي محاولة اعتداء من قوات النظام التركي ومرتزقته من التنظيمات الإرهابية،
كما عززت وحدات من الجيش انتشارها في القرى والبلدات من تل تمر إلى ناحية أبو راسين في ريف رأس العين الجنوبي الشرقي وعلى طريق الدرباسية- رأس العين بريف الحسكة الشمالي الشرقي باتجاه الحدود السورية التركية.
فؤاد الوادي
التاريخ: الأربعاء 6 – 11-2019
رقم العدد : 17116