تمضي الأيام.. ويكبر الطفل ويأتي إلى دمشق مع ديوانه الأول وعروبته وذكريات قريته في أوائل الأربعينيات.. الطفل الذي سرقوا طفولته التي لم يبق منها سوى ذكريات نقية ندية كقصائده التي عانقت شجرة التوت وراء الأسلاك والضباب في قريته الضائعة في لواء اسكندرون.. طفولة مغتصبة ألهمته كل الألحان العذبة التي رددناها صغارا وبقيت في ذاكرة الأجيال العربية.. هذه صورة الطفل العربي مع كل احتفالية في اليوم العالمي للطفل.. أطفالنا لايشبهون أطفال العالم في حقوقهم وأبسط مستلزمات عيشهم، واحتفاء العالم بالطفولة لاينهي ولاينفي عذابات وآلام وموت وحصار وتشرد الأطفال العرب وافتقادهم لأبسط حقوق العيش الكريم في أرضهم وبين بساتينهم وفي أفياء وظلال شمس وهواء وطنهم..
الشاعر سليمان العيسى في أجمل ماقاله تجسيدا لحالة الطفولة العربية: (إنني لا أكتب للصغار لأسليهم.. إنني أنقل إليهم تجربتي القومية والفنية.. أنقل إليهم همومي وأحلامي.. عندما يكبرون سيعرفون أنني لم أخدعهم.. لم أُضِع وقتهم الثمين بشيء تافه..), صدقت يا شاعري العظيم فعذابات الطفولة العربية بدأت قبل عهدك ولم تنته آلامها إلى اليوم.. تفجير رؤوس الأطفال أصبح فنا لدول الإجرام وتقطيع أوصال الأسر العربية نهج العملاء ومجرمو الحروب وقتلة الأطفال في فلسطين وسورية واليمن والعراق و.. و.. !! أبسط حقوق العيش الآمن سلبته دول دعاة الديمقراطية والحرية على مرأى ومسمع من اخترع للطفولة يوما.. حتى لغة الحب التي يتعلمها الطفل في مهده الأول يصمون آذانهم عنها ويغيرون حروفها ومصطلحاتها في اعتداء سافر على مقدسات التعلم واللغة..
يسرقون ماضي وحاضر ومستقبل الطفولة في بلداننا العربية ويصادرون عروبتهم وانتماءهم وقوميتهم وهويتهم وتاريخهم ولاذنب لهم سوى أنهم ولدوا أطفالا عرباً.. أطفال لايعرفون شيئا عن الطفولة سوى اسمها.. بعض من إحصائيات الطفولة العربية برسم دعاة الاحتفاء بالطفولة عالميا.. ثلاثون ألف طفل عربي يموت يوميا بسبب الجوع والفقر.. اسرائيل المحتلة اعتقلت ٧٤٥ طفلا فلسطينيا هذا العام، ١٢ مليون طفل يمني بحاجة للطعام والدواء.. !!!!!
هناء دويري
التاريخ: الجمعة 22-11-2019
الرقم: 17129