جهود الأمم المتحدة تجاه سورية ستبقى هشة ما دامت تحت ضغط الحصار الاقتصادي…عرسان: «آلية التحقيق الدولية» ثمرة فاسدة لا نعترف بها ونرفض التعاون معها
أكد عضو وفد سورية الدائم لدى الأمم المتحدة عمار عرسان ضرورة التزام بعض الحكومات بمبادئ العمل الإنساني القائمة على احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، مشيراً إلى أن جهود الأمم المتحدة تجاه سورية ستبقى هشة ما دامت هناك إجراءات اقتصادية قسرية وحصار ضد الشعب السوري.
وقال عرسان خلال جلسة الجمعية العامة الخاصة بمناقشة «تقرير الأمين العام عن أعمال الأمم المتحدة» أمس: بعد الحوار البناء مع الأمين العام أمس فإننا في الجمهورية العربية السورية ندرك جيداً ونؤكد أننا نتعامل مع وقائع وليس مع مثاليات ونعلم جيداً أن بعض الحكومات المانحة لن تلتزم بمبادئ العمل الإنساني القائمة على احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية كما نعلم جيداً أن العديد من هذه الحكومات سيستمر في التدخل السلبي بمسار العملية السياسية في سورية وسيسعى عبر الضغط الاقتصادي وفرض الحصار إلى ضعضعة المبدأ الأساسي الذي تقوم عليه هذه العملية وهو أن تكون بقيادة وملكية سورية وفي منأى عن أي تدخلات خارجية.
وأضاف عرسان: لا يهمنا الحديث عن أموال المانحين بقدر ما يهمنا التأكيد على حقيقة أن جهود الأمين العام وجهود مبعوثه الخاص لتيسير هذه العملية السياسية ستبقى هشة وفي موقع حساس ما دامت مستمرة تحت ضغط الحصار الاقتصادي والإجراءات الاقتصادية القسرية أحادية الجانب التي تهدف اليوم بشكل أساسي إلى منع تدفق الاستثمار وإعادة الإعمار.
وأوضح عرسان أن موقف الأمم المتحدة واضح من مسألة فرض الإجراءات الاقتصادية القسرية أحادية الجانب على بعض شعوب العالم وهي تعتبرها غير شرعية وتطالب كل عام بوضع حد لها، كما أن أجندة التنمية المستدامة 2030 شددت على أن هذه الإجراءات غير الشرعية تتسبب بإعاقة جهود الدول التي تخضع لها في تنفيذ أهداف الأجندة.
وأكد عرسان أن الشعب السوري يستحق من الأمم المتحدة مقاربة مختلفة لمسألة فرض الإجراءات الاقتصادية القسرية أحادية الجانب عليه ما دامت المنظمة الأممية تعتبرها غير شرعية وما دامت الأمانة العامة غير قادرة على التدخل الإيجابي تجاه عدم ربط العمل الإنساني في سورية بالشروط السياسية التدخلية لحكومات بعض الدول المانحة.
وبين عرسان أن المواطن السوري لا يحتاج اليوم بعد تسع سنين من الحرب الإرهابية إلى صندوق من المواد الغذائية بل يحتاج إلى إعادة بناء اقتصاده ومقدراته، كما أنه لا يحتاج إلى أموال المانحين الغربيين بقدر ما يحتاج إلى أن يرفع هؤلاء المانحون الحصار الاقتصادي الذي يفرضونه عليه ليعيش بأمان واستقرار دون خوف على مستقبله.
الأجندات المسيسة
لا تخدم تعددية الأطراف
ولفت عرسان إلى أن وفد سورية كان يرغب في أن يكون هذا النقاش المهم قائماً على مبادئ المهنية والنزاهة وفي منأى عن الأجندات المسيسة أحادية الجانب التي لا تخدم تعددية الأطراف ولا مساعي إعادة بناء الثقة بين أعضاء هذه المنظمة حيث إن مندوب ليشتنشتاين الدائم لا يزال مصمماً على ممارسة دور غير نزيه وغير مبرر حيث ترك وراء ظهره كل الملفات الحساسة والمصيرية التي تتعامل معها الأمم المتحدة ومهمة تمثيل بلاده ومصالحها في الأمم المتحدة وقرر أن يتفرغ لممارسة وظيفة المحامي الشخصي ومدير العلاقات العامة لما يسمى «آلية التحقيق الدولية المحايدة والمستقلة في سورية» ونحن في سورية ندرك أبعاد ذلك وخلفياته.
وأكد عرسان أن ما يهمنا هو الرد على المزاعم غير الحقيقية التي وردت في بيان مندوب ليشتنشتاين أمس لما يسمى «آلية التحقيق الدولية المحايدة والمستقلة في سورية» ونقول: إن الجمهورية العربية السورية وعدداً من الدول الأعضاء طرحت مآخذ وخروقات قانونية وإجرائية حقيقية وجادة شابت قرار الجمعية العامة رقم 248-71 الذي أدى إلى إنشاء ما يسمى «آلية التحقيق الدولية المحايدة والمستقلة في سورية».
وقال: ليس صحيحاً ما قاله المندوب إننا أردنا التشكيك بدور الجمعية العامة، ونحن لا نزال نتحداه إلى اليوم في أن يرد على أي من النقاط القانونية التي أثرناها والتي تثبت عدم شرعية ما يسمى «آلية التحقيق الدولية المحايدة والمستقلة في سورية».
وبين عرسان أن الجمعية العامة تجاوزت ولايتها وخرقت المادة 12 من الميثاق حين اعتدت على ولاية مجلس الأمن المعني حصرياً حتى اليوم بالتعامل مع الوضع في سورية، مشيراً إلى أن المواد 10 و11 و12 و22 من الميثاق نصت صراحة على الولايات الممنوحة للجمعية العامة والتي لا يرد فيها على الإطلاق أن للجمعية العامة سلطة إنشاء آلية تحقيق أو جهاز قضائي.
وأوضح عرسان أن سورية لم تطلب مساعدة تقنية أو فنية من الأمم المتحدة لتأسيس مثل هذه الآلية، أما اليوم وبعد أن ورطت الجمعية العامة نفسها في إنشاء هذا الجهاز غير الشرعي فإننا نسأل: هل يتوقع عاقل من حكومة الجمهورية العربية السورية القبول بأن يتم تجميع ما يسمى «أدلة» خارج حدودها الوطنية عبر جهاز شاذ مثل «آلية التحقيق الدولية المحايدة والمستقلة في سورية» الذي تم إنشاؤه من دون موافقة الدولة المعنية وبدون التشاور معها وبدون توافر الحد الأدنى من الضمانات والمعايير المتعلقة بمصداقية تسلسل عهدة وحيازة الأدلة؟.
وقال عرسان: نؤكد من جديد على أن سورية وعدداً معتبراً من الدول الأعضاء ستبقى مصممة على موقفها القائم على عدم الاعتراف بما يسمى «آلية التحقيق الدولية المحايدة والمستقلة في سورية» ورفض أي شكل من أشكال التعاون معها مضيفاً: أما بخصوص تمويل هذا الجهاز غير الشرعي عبر الميزانية العادية للأمم المتحدة فإن سورية تنأى بنفسها عن قرار الجمعية العامة الخاص بهذا الشأن وهي لن تشارك في تمويل هذه المؤسسات المشبوهة.
وأشار عرسان إلى أن من يرد من الدول الأعضاء المساهمة في تمويل هذا الجهاز فهذا شأنه ولكن عليه أن يتذكر دوماً أن ما يسمى «آلية التحقيق الدولية المحايدة والمستقلة في سورية» هو ثمرة فاسدة لخرق الميثاق وقد ولد ميتاً وسيبقى ميتاً داعياً هذه الدول إلى عدم هدر أموال الأمم المتحدة على أعمال مشبوهة لا تخدم سوى سياسات خطيرة وهدامة لمن يقف خلفها.
وأكد عرسان أنه رغم ظروف الحرب الإرهابية ضد سورية فإنها تفخر بامتلاكها مؤسسات وأجهزة قانونية وقضائية وطنية عريقة لديها القدرة والإرادة الحقيقيتان لتحقيق العدالة والمساءلة والمحاسبة لافتاً إلى أن العملية السياسية الجارية في سورية ستتعامل مع هذه المسائل بكل جدية وكإحدى الأولويات.
وقال: إذا أرادت أجهزة الأمم المتحدة المختصة أن تقدم الدعم الفني للجمهورية العربية السورية في مجال بناء القدرات وتعزيز إمكانات هذه المؤسسات الوطنية فإنها تعرف العنوان الصحيح في سورية وتدرك جيداً الباب الذي يجب أن تطرقه وتعرف الإجراءات وقواعد العمل التي لا بد من اتباعها لتقديم مثل هذه المساعدة.
ودعا عرسان الأمين العام للأمم المتحدة إلى جعل الحوار البناء الذي أجري أمس ممارسة دورية مستقرة ومستدامة ومتكررة بهدف متابعة تنفيذ ما يعرضه في تقاريره عن أعمال المنظمة وعن التحديات التي تواجهها الأمم المتحدة ونظام العمل الجماعي متعدد الأطراف، لأن الخيار الوحيد اليوم الحوار الشفاف والعمل الجماعي القائم على المساواة في الحقوق والواجبات فالبدائل الأخرى خطيرة على مستقبل منظمتنا وعالمنا وعلى أمن وسلام واستقرار شعوبنا.
وأشار عرسان إلى أن الأمين العام قدم عرضاً مهماً وشفافاً ولكنه مقلق في الكثير من رسائله ومضامينه ويمكن القول إنه بمثابة جرس إنذار يسبق وقوع المحظور في حال لم نتجاوب مع التحديات التي طرحها أمس من خلال عملية جماعية وعبر نظام متوازن ومستدام لتعددية الأطراف نعترف فيه باختلافاتنا وخلافاتنا ونتعامل معها بشكل واقعي حتى تبقى أولويتنا الأساسية بل الوحيدة مصلحة البشر أينما كانوا من دون ازدواجية في المعايير.
وأوضح عرسان أن أطر العمل داخل الأمم المتحدة باتت تعاني بشكل جدي اليوم من ممارسات الاستقطاب السياسي والمالي إلى درجة فرض ضغوط هائلة على برامج المنظمة عبر مسألتي التمويل ودور المانحين وذلك في سبيل تمرير سياسات وطنية تخص الحكومات ذات النفوذ أو لفرض طرائق عمل معينة على المنظمة الأممية في تعاملها مع العديد من الملفات الشائكة كما هو الحال في سورية.
سانا – الثورة:
التاريخ: الجمعة 24-1-2020
الرقم: 17176