مؤتمـــر بـــرلين.. التحضيـــر لاحتــــلال ليبيا

المؤتمر الذي عقد حول ليبيا الأسبوع الماضي في برلين لم يتضمن تحقيق (السلام) في هذا البلد الذي مزقته الحرب، بل تركز على اقتسام الغنيمة، وهو يذكرنا بمؤتمرات القرن التاسع عشر التي تقاسمت فيها القوى الاستعمارية مناطق وقارات العالم أجمع.
ويشهد على ذلك تركيبة المؤتمر ذاته، فعلى الطاولة كان يجلس رؤساء دول وحكومات القوى العظمى والقوى الإقليمية المهمة، لكن لم يكن هناك أي من الدول التي كان يقرر مصيرها.
أما المتنافسان الرئيسيان في الحرب الليبية وهما رئيس الوزراء فايز السراج والجنرال خليفة حفتر فقد استدعيا إلى المؤتمر، وكان عليهما الانتظار في الغرفة المقابلة، زد على ذلك، لم يكن من يمثل الشعب الليبي، أو بالأحرى، ثمة مجرد دمى بين أيدي القوى التي تتصارع فيما بينها للسيطرة على هذا البلد الغني بالنفط.
في عام 2011 قامت فرنسا وبريطانيا العظمى والولايات المتحدة بالإضافة إلى عدد من الدول الأخرى بقصف ليبيا وقتلت بوحشية الرئيس معمر القذافي، ومنذ تلك اللحظة تحول البلد الذي كان يمتلك بنية تحتية متطورة ومستوى معيشة هو الأفضل في شمال إفريقيا إلى جحيم من خلال الميليشيات المتصارعة فيما بينها.
هذه الميليشيات التي تساندها قوى تكفيرية وقبائل محلية، كانت تتلقى تمويلها وأسلحتها من قوى خارجية، أما الولايات المتحدة التي التزمت زمناً طويلاً بدعم السراج، ما لبثت أن تحولت إلى دعم حفتر من جديد.
تناقضت الأهداف الدائمة للقوى الدولية المتصارعة، فالأهداف الجيو-سياسية والسياسات الإقليمية تداخلت مع المصالح الاقتصادية. فعلى سبيل المثال، تركز النزاع بين فرنسا وإيطاليا للسيطرة على النفط والغاز الليبي، فمع 48 مليار برميل، تحتل ليبيا المرتبة التاسعة عالمياً من حيث أكبر الاحتياطات النفطية، وتسيطر إيطاليا القوة الاستعمارية القديمة على نصف السوق تقريباً من خلال الشركة النفطية (إيني) تنافسها مجموعة (توتال) الفرنسية التي تعتبر أكبر منتج للغاز والنفط الليبي. وفرنسا تواصل دعمها للجنرال خليفة حفتر في حربه التي يخوضها في الساحل.
كما أن تركيا أرسلت جنودها ومرتزقتها من سورية لمساندة السراج، مقابل ذلك، وقع السراج اتفاقاً يتعلق بـ (تحديد مناطق النفوذ البحرية) التي تقسم المنطقة الشرقية من البحر المتوسط بين دولتين. وعلى قاعدة هذا الاتفاق، تطالب تركيا باحتياطيات مهمة من الغاز، وتطالب اليونان وقبرص بالنصيب عينه.
إن الخشية من أن تحوز تركيا حصة من النفوذ في ليبيا دفع بالقوى الأوروبية إلى التقارب فيما بينها، فحصلت ألمانيا على نصيبها من الكعكة، وهي لم تشارك في الحرب التي جرت في ليبيا عام 2011 بسبب علاقتها الاقتصادية المميزة مع النظام الليبي السابق، ومنذ ذلك الحين وهي تتمتع بنفوذ كبير في ليبيا، أما اليوم، فقد لبست المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل قناع بيسمارك الذي استغل في نهاية القرن التاسع عشر وبذكاء الصراع القائم بين القوى العظمى تحت شعار (الوسيط النزيه) وأكدت مصالح ألمانيا باعتبارها قوة عظمى.
مؤتمر برلين الخاص بليبيا والاتفاقات التي أبرمتها ميركل ساعدت ألمانيا على توطيد وجودها وترسيخ نفوذها السياسي والاقتصادي في إفريقيا، وفي الختام جمعت ميركل في برلين كل المتصارعين في الميدان والذي يبلغ مجموعهم 16 حكومة وتنظيماً.
لقد حضر المؤتمر الرئيس الفرنسي ماكرون ورؤساء الحكومتين الإيطالية والبريطانية، كونت وجونسون، وحضر الرئيس الروسي بوتين والرئيس التركي أردوغان، ومثل الحكومة الأميركية وزير الخارجية مايك بومبيو، كما حضر المؤتمر أعضاء حكومات من الإمارات المتحدة والسعودية ومصر. وكان هناك ممثلون عن الأمم المتحدة وأحزاب وازنة من الاتحاد الأوروبي.
اتفق المؤتمر على وثيقة من 50 نقطة، وحسب الوثيقة فإن وقف إطلاق النار الذي تم الاتفاق عليه سابقاً بوساطة روسية يجب أن يبقى دائماً وعلى المليشيات أن توقف القتال وتسليم أسلحتها، ومواصلة الحظر على الأسلحة الذي خرقته جميع الأطراف يجب أن يحترم ووضعه تحت المراقبة.
ودون أدنى شك، فإن الأمر يتعلق بمرحلة تمهيدية قبل الاحتلال العسكري للبلاد، المفوض الأوروبي للشؤون الخارجية جوزيف بوريل، صرح لصحيفة دير شبيغل الألمانية قبل انعقاد المؤتمر: (إذا كان هناك وقف لإطلاق النار في ليبيا، فعلى الاتحاد الأوروبي أن يكون مستعداً لتنفيذه والإشراف عليه).
من جانبه، أعلن وزير الخارجية الإيطالي (لويجي دي مايو) أيضاً لمجلة الإعلام الألمانية بالقول: (إننا بحاجة لمهمة أوروبية للسلام)، وأضاف: (ضرورة وجود قبعات زرقاء أوروبية للقيام بمهمة بحرية وبرية وجوية لمراقبة تطبيق الاتفاق). كما تواصلت المطالبات بنشر قوات مسلحة في ليبيا من جانب وسائل الإعلام ورجال السياسة الألمان لمراقبة تطبيق الهدنة وحظر بيع السلاح، حيث قال العديد منهم: (إننا لا نستطيع التسامح أن تظل ليبيا مرتعاً لمهربي السلاح ومهربي البشر والإرهابيين) وعلى ألمانيا أن تلعب دوراً أساسياً في إرساء الأمن وبناء سياسة ليبية، هذا ما قالته صحيفة فرانكفورتر زايتونغ الألمانية.
ما من أدنى شك أن وقف إطلاق النار، حتى ولو وافق عليه الجميع لن يكون أكثر من استراحة مقاتل قبل نشوب حرب ستأكل الأخضر واليابس في ليبيا، إذ ليس هناك نزاع أشعلته القوى الإمبريالية، إلا وأدى إلى حروب طاحنة لا نهاية لها، كتبت صحيفة (دي زايت) الألمانية تقول:(بالنسبة للطرفين، الوضع الراهن ليس مقبولاً عسكرياً واقتصادياً على المدى الطويل). وأضافت الصحيفة (بالمحصلة، الاحتمال الأرجح أن تتفجر صراعات كبرى في غضون الأسابيع القادمة).

عن:موندياليزاسيون
ترجمة:حسن حسن
التاريخ: الثلاثاء 28 – 1 – 2020
رقم العدد : 17179

 

آخر الأخبار
وزارة الثقافة تطلق احتفالية " الثقافة رسالة حياة" "لأجل دمشق نتحاور".. المشاركون: الاستمرار بمصور "ايكو شار" يفقد دمشق حيويتها واستدامتها 10 أيام لتأهيل قوس باب شرقي في دمشق القديمة قبل الأعياد غياب البيانات يهدد مستقبل المشاريع الصغيرة في سورية للمرة الأولى.. الدين الحكومي الأمريكي يصل إلى مستوى قياسي جديد إعلام العدو: نتنياهو مسؤول عن إحباط اتفاقات تبادل الأسرى إطار جامع تكفله الإستراتيجية الوطنية لدعم وتنمية المشاريع "متناهية الصِغَر والصغيرة" طلبتنا العائدون من لبنان يناشدون التربية لحل مشكلتهم مع موقع الوزارة الإلكتروني عناوين الصحف العالمية 24/11/2024 رئاسة مجلس الوزراء توافق على عدد من توصيات اللجنة الاقتصادية لمشاريع بعدد من ‏القطاعات الوزير صباغ يلتقي بيدرسون مؤسسات التمويل الأصغر في دائرة الضوء ومقترح لإحداث صندوق وطني لتمويلها في مناقشة قانون حماية المستهلك.. "تجارة حلب": عقوبة السجن غير مقبولة في المخالفات الخفيفة في خامس جلسات "لأجل دمشق نتحاور".. محافظ دمشق: لولا قصور مخطط "ايكوشار" لما ظهرت ١٩ منطقة مخالفات الرئيس الأسد يتقبل أوراق اعتماد سفير جنوب إفريقيا لدى سورية السفير الضحاك: عجز مجلس الأمن يشجع “إسرائيل” على مواصلة اعتداءاتها الوحشية على دول المنطقة وشعوبها نيبينزيا: إحباط واشنطن وقف الحرب في غزة يجعلها مسؤولة عن مقتل الأبرياء 66 شهيداً وأكثر من مئة مصاب بمجزرة جديدة للاحتلال في جباليا استشهاد شاب برصاص الاحتلال في نابلس معبر جديدة يابوس لا يزال متوقفاً.. و وزارة الاقتصاد تفوض الجمارك بتعديل جمرك التخليص