«مناقصــــة الســـــلام» في الظـــرف المفتـــوح لإســـــــرائيل .. ترامب «ينطح» بصفقة القرن لتثبيت نتنياهو .. وأحفاد «بلفور» في قصور النفط والتبعية
على بازار سياسي وقف الرئيس الأميركي يعلن مناقصاته «للسلام وبصفقة قرن» حاول دونالد ترامب مكاسرة تاريخ أحجار الانتفاضة الفلسطينية .. قاصداً فرد سجادة الفوز بالانتخابات لصديقه نتنياهو فوق دماء الفلسطينيين وحقوقهم ،صرخت سورية ..عدوان أميركي على الشعب الفلسطيني وعلى الأمم المتحدة ألا تضع كل قراراتها في أدراج النسيان .. صرخت سورية وصمت العرب ..أين الملايين ؟! هم وجدان يجوب على شاشات التلفزة …وجدان مطعون يلعن ترامب مرة ..والأنظمة العربية المتواطئة معه ألف مرة ..لم يبق منهم سوى المقاومة.
فكم بلفور في قصور النفط ينام قرير العين على سرير الجامعة العربية .. تهز له البيانات حتى يغفو ويصحو على لعق التشجيب في الغرف السرية لمسودات معاهدات السلام .. فماذا ننتظر من الساقطين في وادي عربة .. وكيف نستنهض من ذهبوا برحلة طويلة الى كامب ديفيد .. اتفاقيات الاذعان لم تجلب سلاما ولم تحرر أرضا ،وتشهد أوسلو أن من راح إليها عاد بخفي حنين ويلاحقه اليوم «قرن ترامب».
«إنها فرصة تاريخية» ..هكذا وصفها نتنياهو … فما يسمى «صفقة» تتلطى وراء عملية السلام في الصراع (الفلسطيني -الاسرائيلي )هي أبعد ماتكون عن السلام نفسه .. بل هي عملية وأد استراتيجي للدور الأميركي في أي مباحثات مستقبلية حول القضية الفلسطينية حيث باتت واشنطن طرفاً ينحاز بالكامل إلى «اسرائيل» ..وبالتالي خرجت تماما من معادلة «السلام العادل والشامل» ناهيك عن أن ترامب أقدم على المجازفة دون أي حساب للشعب الفلسطيني وللدول العربية المعنية بقضيته ،ومن ينظر الى الثمن الذي ستدفعه عمان مثلا يدرك تماما أن ملك الأردن عبد الله الثاني في وضع سياسي لا يحسد عليه خاصة أن صفقة القرن توازي في انعكاساتها الكارثية نكسة حزيران ،والتي خسر العرب فيها مزيداً من الأراضي الفلسطينية، ولاشك أن المخاوف باتت تطوق عرش الملك لاسيما في ضوء وقوع بلاده تحت الضغط منذ تولي ترامب زمام السلطة، وكشف هشاشة الموقف التاريخي للأردن تجاه القضية الفلسطينية حين طلب منه منح المواطنة لأكثر من 700,000 فلسطيني يعيشون في الأردن ،بالتالي إسقاط حق العودة الذي ضمنته القرارات الأممية .. واليوم تتحرش صفقة القرن بالملك وتحاول اظهار يديه ملوثتين بها عن طريق إعطائه الوصاية على المقدسات الإسلامية شرط أن يذعن للاعتراف بالقدس المحتلة عاصمة لإسرائيل بالتالي التفاهم مع كيان الاحتلال على حساب الشعب الفلسطيني ..
اللافت أيضاً ان ترامب و أثناء إعلانه لصفقة القرن تعمد الإيحاء بأن فلسطين باتت معزوله عن الحاضنة العربية لقضيتها،وأنها وحيدة في المواجهة ..فأشار إلى أن بعض السفارات الخليجية حضرت مؤتمر الاعلان،وبالتالي هي رسالة مختصرة بأن الخليج في الجيب الأميركي ولن يرفض «صفقة القرن» وقد يمتنع البعض عنها وهو راغب،وهذا ليس جديداً بل بدا واضحاً منذ مؤتمر المنامة ، فهناك تبرعت بعض الدول الخليجية بأموال منها لتمرير صفقة القرن وإكمالها .. فالتعويض المادي الذي يلوح به ترامب للفلسطينيين ليس من جيب الولايات المتحدة الأميركية بل هو من جيوب مشيخات الخليج الذين أشبعونا تباكياً على القضية الفلسطينية خلال 70 عام مرت.
هدية ترامب» الكبرى» لنتنياهو ..
والتوقيت يشي بالصفقة
منذ وصوله إلى البيت الأبيض بدأ ترامب يغازل نتنياهو بالهدايا السياسية مسبقة الدفع لمرحلة الانتخابات الأميركية الثانية وعلى حساب الفلسطينيين، فقد بدأ أولا بالتحجيم التعسفي للمؤسسات الدبلوماسية التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية، مروراً باستهداف الشعب الفلسطيني عن طريق تخفيض المساهمة الأميركية في منظمة «الأونروا»، لكن الهدية الثمينة لنتنياهو كانت بنقل السفارة الأميركية إلى القدس المحتلة والاعتراف «بالسيادة» الإسرائيلية المزعومة على الجولان السوري المحتل، ومحاولة إضفاء الشرعية على المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية،ورغم كل ذلك لم تستطع عطاءات ترامب مساندة صديقه في اثنين من انتخابات الكنيست التي فشلت نتائجها في ترجيح كفة الائتلاف اليميني الذي يقوده نتنياهو،فبقي عاجزاً عن تأمين أغلبية لتشكيل حكومة جديدة،وغير قادر على تحصين نفسه ضد اتهامات الرشوة والفساد التي ظلت تلاحقه حتى أحالته أمام القضاء،فقرر ترامب إعطاء نتنياهو الترياق السحري في صفقة القرن لإنجاحه في الانتخابات الاسرائيلية،وتشكيل حكومته وإرضاء أنصاره من مجموعات الضغط الصهيونية في أميركا ،واستجلابهم الى صندوق ترامب الانتخابي الثاني..فالتوقيت يشي بالصفقة !!
بالأمس الأول قدم ترامب أكبر هداياه لنتنياهو وقد تكون الهدية الأخيرة والتي لم يكن يحلم بها يوما لولا وصول ترامب الى البيت الأبيض .. هذا الرجل الذي جازف بكل أوراق واشنطن، وأحرق تفاصيل السلام بما يسميه «صفقة القرن» التي تأخرت سنة كاملة عن الإعلان ..
فقد كان مقرراً أن يفصح ترامب عن صفقته في كانون الأول 2018 في أعقاب انتخابات الكنيست، لولا مفاجأة أولى في الانتخابات تمثلت في نتائج سلبية لنتياهو أفشلت خططه مع ترامب ،أعقبتها مفاجأة ثانية في نيسان 2018 حملت نتائج مماثلة، فجاء الإعلان عن صفقة القرن بالأمس تأكيدا بأن طبخة ترامب لم تعد تتحمل تأجيلاً ثالثاً حتى انتخابات الكنيست مطلع آذار المقبل، حيث ستدخل الولايات المتحدة في موسم الانتخابات الرئاسية، والرئيس الأميركي يحتاج لدعم اللوبي الصهيوني ..
الشيطان في التفاصيل !!
في تفاصيل هذه الصفقة يكمن الشيطان الأميركي الذي فصلها على قياس 181 صفحة،ولم يتم الكشف عن الكثير من محتوياتها، وتقول مصادر فلسطينية وعربية جرى إطلاعها على مسودة الخطة من أنها بكل وقاحة- أي الصفقة -تسعى إلى رشوة الفلسطينيين لقبول الاحتلال الإسرائيلي، تمهيداً لضم «إسرائيل» نحو نصف الضفة الغربية بما في ذلك معظم غور الأردن، القطاع الاستراتيجي الشرقي الخصيب في الضفة الغربية.
ويقول الفلسطينيون إن غور الأردن، أي ما يقرب من 30% من الضفة الغربية، من المفروض أن يكون جزءاً حيوياً من دولتهم في المستقبل بوصفه يمثل سلة الخبز للضفة الغربية وحدودها مع الأردن ..لكن العناوين المطروحة في إعلان الرئيس الأميركي تشي بأن هذه الصفقة هي في صالح «اسرائيل» مئة بالمئة… وهي عملية تمزيق لأي مفاوضات أو حتى مسارات محتملة للسلام ، فالصفقة بإيجاز توفر لإسرائيل الاعتراف بالقدس كعاصمة لها وبسط يدها على كل المستوطنات، وضم مزيد من المناطق الفلسطينية في احتلال جديد ، بالإضافة الى ضم غربي نهر الأردن وإحكام قبضتها الأمنية على المعابر في البحر، في الجو وفي البر ،كما توفر الصفقة لإسرائيل فيتو أميركي على العقوبات في الأمم المتحدة. و يتوقف على ذلك بحسب الصفقة أن يقوم الفلسطينيون بالاعتراف بإسرائيل كدولة» يهودية»ونزع سلاح المقاومة والتخلي عن الانتفاضات والعمليات الاستشهادية في وجه الاحتلال،والتخلي عن أكبر الحقوق وأهمها حق العودة،ووقف النشاطات ضد «إسرائيل» في المحكمة الدولية في لاهاي،وعدم الانضمام إلى المؤسسات الدولية دون موافقة كيان الاحتلال، كما تفرض صفقة القرن على الفلسطينيين التدخل الإسرائيلي في مناهجهم التعليمية والاعتراف النهائي بما يسمونه «حدود إسرائيل».
70 عاماً من النضال من أجل 70 بالمئة من الضفة !!
أما الفلسطينيون وبحسب صفقة ترامب لن يحصلوا سوى على 70% من أراضي الضفة الغربية لإقامة دولة فلسطينية على 70 في المئة من الأراضي المتبقية، دولة لا جيش لها ولا سيادة ولا علاقات دولية ،وحتى من دون الحق بإبرام أي اتفاق مع أي دولة، ولذر الرماد في العيون اقترح عليهم ترامب أن تكون لهم عاصمة في أحد ضواحي القدس الشرقية خارج جدار الفصل العنصري في بلدة» شعفاط أو أبو ديس» و حفر نفق يربط بين الضفة والقطاع، وبذلك لن يملك الفلسطينيون أغوارهم الخصبة ولا خيراتهم ولا حتى صون نضالهم المستمرمنذ أكثر من70عاماً من أجل استعادة أرضهم وحقوقهم التي اغتصبتها إسرائيل.
وبما أن ترامب رجل مال فقد حاول رشوة الشعب الفلسطيني بـ 50 مليار دولار تدفع من جيوب الخليج ،وقد تمت جبايتها سابقاً من مؤتمر المنامة في البحرين .. حيث دشن جاريد كوشنر، صهر ترامب والمهندس الرئيسي للصفقة، المرحلة الأولى منها في مؤتمر اقتصادي في البحرين حزيران الماضي، ودعا هذا الشق إلى إنشاء صندوق استثماري بقيمة 50 مليار دولار لدعم ماسمي حينها الاقتصاد الفلسطيني واقتصادات دول الجوار العربية.
4 سنوات من التمهيد للصفقة
منذ وصوله إلى البيت الأبيض وحتى في حملته الانتخابية التي لم تخل من وعود لإسرائيل بتمريرماعجز عنه الرؤساء الذين سبقوه ..حاول ترامب التمهيد لإعلان «صفقة القرن» بحصر الملف الفلسطيني وملف المباحثات في يد شخصيات موالية حتى النخاع لإسرائيل ، ففي كانون الأول عام 2016أعلن ترامب عن خطط لترشيح محاميه ديفيد فريدمان – وهو مؤيد سياسي ومالي صريح للمستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية – سفيرًا للولايات المتحدة في «إسرائيل» – وقد وافق مجلس الشيوخ على فريدمان في تصويت بأغلبية ضئيلة في آذار 2017،بالإضافة إلى ذلك، عين ترامب جيسون جرينبلات، وهو محام سابق لدى ترامب، ككبير مبعوثي «السلام «في الشرق الأوسط.
وقد واصل كبار المسؤولين الأميركيين، بما في ذلك جاريد كوشنر، كبير مستشاري ترامب وصهره، في السنوات التالية الإدلاء بتعليقات أساءت للفلسطينيين، مثل التشكيك في قدرتهم على حكم أنفسهم ،والتعبير عن دعمهم للمستوطنات الإسرائيلية، التي تعد غير قانونية بموجب القانون الدولي.
وفي كانون الأول عام 2017أعلن ترامب أن الولايات المتحدة ستنقل سفارتها في إسرائيل من «تل أبيب» إلى القدس في خرق لسياسة طويلة من المفاوضات التي تبنتها الولايات المتحدة ،وكان الرؤساء السابقون قد أرجؤوا نقل السفارة إلى أن يجري الاتفاق على الوضع النهائي للقدس في مفاوضات بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
وبعد ذلك بعام تقريباً وتحديدا في (كانون الثاني) 2018 هدد ترامب بقطع المساعدات الأميركية عن الفلسطينيين، بعد أن رفض رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس اعتراف واشنطن بالقدس عاصمة لإسرائيل، وتعهد برفض أي خطة سلام ترعاها إدارة ترامب حيث كانت تعد الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي مانحين رئيسيين للسلطة الفلسطينية،ومضى ترامب بالقول إنه سيخفض التمويل الأميركي لهيئة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا» وحذر الفلسطينيون من أن الخفض سيمثل «عقوبة بالإعدام» حيث تدعم المساعدات من الأونروا تمويل التعليم، والرعاية الصحية، والمساعدات الغذائية للفلسطينيين الفقراء.
وأثارت حينها هذه الخطوة مخاوف بين الفلسطينيين من أن إدارة ترامب ستسعى إلى إعادة تحديد معايير الأمم المتحدة بالنسبة لمن يعد لاجئًا فلسطينيًّا، ويشمل ذلك أحفاد النازحين بسبب احتلال وإرهاب «إسرائيل» للأراضي الفلسطينية في عام 1948، ويبلغ عددهم اليوم أكثرمن 5 ملايين شخص.
وفي أيارعام 2018 وتحديداً في ذكرى النكبة افتتحت إدارة ترامب رسميًّا السفارة الأميركية الجديدة في القدس المحتلة، وبعد ذلك بحوالي ثلاثة أشهر أعلنت واشنطن عن تخفيض آخر في المساعدات للفلسطينيين، وهذه المرة 200 مليون دولار لتمويل البرامج في الضفة الغربية وقطاع غزة.
وقالت وزارة الخارجية الأميركية حينها بكل فجاجة إن التخفيضات كانت تهدف إلى «ضمان إنفاق هذه الأموال وفقًا للمصالح الوطنية الأميركية وتوفير أموال دافعي الضرائب الأميركيين».
وقال حسام زملوط، المبعوث الفلسطيني في واشنطن آنذاك في بيان: «هذه الإدارة تفكك عقودًا من الرؤية والمشاركة الأميركية في الأراضي الفلسطينية بعد نقل السفارة وتخفيض التمويل الممنوح للأونروا، هذا تأكيد آخر على التخلي عن حل الدولتين واعتماد أجندة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو المناهضة للسلام بالكامل» وفي وقت لاحق من ذلك الشهر، قررت إدارة ترامب قطع المساعدات المتبقية للأونروا.
ولم يمض شهر واحد حتى قطع ترامب أحد برامج المساعدات الفلسطينية القليلة المتبقية، الذي يوفر 25 مليون دولار كمساعدات لستة مستشفيات في القدس الشرقية، وبعد أيام قليلة، أعلنت الإدارة الأميركية إغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية إلى واشنطن،وألغت الولايات المتحدة تأشيرات الدخول للمبعوث الفلسطيني لواشنطن حسام زملوط وعائلته.
وفي (آذار) 2019قبل الانتخابات الإسرائيلية، أعلن ترامب من جهته فقط وبخرق واضح للقانون الدولي ما سماه «سيادة اسرائيل» على مرتفعات الجولان السوري المحتل وهو الأمر الذي رفضه السوريون ومحور المقاومة والعالم بأسره ، اذ يخالف قرارات الأمم المتحدة وإرادة الشعب السوري وسيادته على أراضيه، فعمت المظاهرات أرجاء سورية ورفعت الخارجية السورية احتجاجها الى المنظمات والمجالس الأممية، ورفض أهالي الجولان المحتل محاولات ترامب سلب الأرض والسيادة، وحتى اليوم ينظر السوريون الى القرار على أنه حبر على ورق لايساوي قيمة ذرة تراب واحدة في أرضهم ،فالجولان عربي سوري ولايمكن أخذه عنوة، واعتبر السوريون أن قرار ترامب يتكامل مع إرهاب «النصرة والبغدادي» الذي نظمته واشنطن وسربته الى أرضهم،وقد أثارت خطوة ترامب هذه تكهنات بأنه سيفعل الشيء نفسه بالنسبة للقدس الشرقية والضفة الغربية، اللتين احتلتهما إسرائيل أيضًا عام 1967.
وفي الشهر السادس من العام نفسه 2019 كان مؤتمر الذل والمهانة الذي استضافته المنامة في البحرين لجباية الأموال من جيوب الخليج لكن المؤتمر قوبل بشكوك واسعة النطاق ورفضته القيادة الفلسطينية، التي قالت إن الإدارة الأميركية لا يمكن أن تكون وسيط سلام نزيه بعد اتخاذ العديد من الإجراءات المؤيدة لإسرائيل، بما في ذلك الاعتراف بمدينة القدس كعاصمة «لإسرائيل».
أما في (تشرين الثاني) عام 2019 فقد بدأت صفقة القرن تتضح أكثر وأعلنت حينها الولايات المتحدة إنها لا تعتبر المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة غير قانونية بموجب القانون الدولي ،و أثارت هذه الخطوة غضب الفلسطينيين، الذين يقولون إن المستوطنات الإسرائيلية تشكل عائقًا أمام السلام ،وتجعل من المستحيل عمليًّا إقامة دولة فلسطينية.
وفي كانون الثاني عام 2020أعلن ترامب تفاصيل صفقة القرن ، والتي تعد انحيازًا لإسرائيل وذلك بحضور بنيامين نتنياهو،الذي قدم فور انتهاء ترامب من إعلان خطته، خططاً للتصويت على ضم المستوطنات في أجزاء من الضفة الغربية المحتلة ووادي الأردن، مايعني أن هذه الصفقة متفق عليها منذ سنوات وما جرى هو إعلان بروتوكولي لها مقتله الغياب التام للفلسطينيين ..
سقوط واشنطن «الحر» من الوساطة
قال نتنياهو عشية الكشف عن خطة ترامب : «صفقة القرن هي فرصة القرن ولن ندعها تفلت منا»،أما منافسه الرئيسي في الانتخابات وتشكيل الحكومة بيني غانتس الذي ينتمي إلى حزب»أبيض – أزرق « فقد وصفها بأنها «مهمة وعلامة تاريخية».
لكن رئيس الوزراء الفلسطيني محمد أشتية، قال إن الصفقةالأميركية «ما هي إلا خطة لتصفية القضية الفلسطينية ونحن نرفضها»، وقالت القيادة الفلسطينية إنه لم يعد من الممكن اعتبار واشنطن وسيطاً في أي محادثات سلام مع «إسرائيل» بعد سلسلة من القرارات التي أصدرها ترامب وأسعدت إسرائيل وأغضبت الفلسطينيين، وبالتالي ومع انحياز الرئيس الأميركي لصالح إسرائيل في قضية العرب الأم والأهم يكون بذلك سقط سقوطاً «حراً « من أي قاموس للمباحثات أو مسارات السلام ،
فالفلسطينيون لن يقبلوا بهذه الخطة وقد غابوا تماما عنها، وحتى الآن يرفض رئيس السلطة الفلسطينية التحدث الى ترامب،مايعني أن هذه الخطة قد تقلب طاولة المفاوضات على إسرائيل رغم أن ترامب تنبه لذلك وأعطى مهلة لتنفيذ الخطة بما يقارب 4 سنوات يكون قد أنهى بها ولايته الثانية وأسس لكل ما من شأنه عرقلة ملف السلام مستقبلا في فلسطين والمنطقة كلها.
حتى داخل الكيان الإسرائيلي لا تبدو صفقة القرن بكل أطماعها وبما تحققه لنتنياهو من آمال انتخابية مرضية لحلفاء نتنياهو اليمينيين الذين يرفضون تقديم أي بند للفلسطينيين، «فلن نسمح بالتنازل عن أرض للعرب»، حسبما قالت وزيرة العدل السابقة، أيليت شاكيد، ذات التوجه اليميني المتطرف، محذرةً من أن إقامة دولة فلسطينية «خطر على إسرائيل»،وهذا يعني مزيداً من اشتعال الصراع فأصوات هؤلاء ستستفز المقاومة الفلسطينية والشعب الفلسطيني بأكمله لن يتنازل كشعب احتلت أرضه وسلبت كل حقوقه.
تسمم رحم السلام
حتى وإن تعلق الأمر بمستقبل الفلسطينيين، فلا يمكن اعتبار الصفقة «خطة سلام» «فلم تكن هناك محادثة مع الحكومة الأميركية بشأن صفقة القرن، ولا حتى جزئياً»، حسبما كتب حسين الشيخ، مستشار الرئيس الفلسطيني محمود عباس، في حسابه على «تويتر»، مضيفاً: «نرفض الصفقة، وسيقاومها شعبنا، وسيردها، كما فعل مع جميع التهديدات لشأننا القومي».
ورأى معهد الشرق الأوسط في واشنطن أن صفقة ترامب تهدف لتقويض حل الدولتين، مؤكداً أن الفلسطينيين يرون في خطة ترامب ضربة الموت النهائية لحل الدولتين، وسيتظاهرون «في يوم الغضب» ضد هذه الخطة.
من الواضح أن صفقة القرن هذه ستفضي الى مشاهد معقدة لإسرائيل أكثر من الفلسطينيين الذين سيتحركون بكامل تاريخهم وحاضرهم النضالي واثقين أن نضالهم المستمر لن توقفه صفقة بل سترتد على الصهاينة والمحافظين الجدد الذين أسسوا لكل خراب المنطقة حتى الوصول الى ذروة السقوط هذه .. فكيف سيمرر ترامب صفقته، هل ستمر فوق أجساد الفلسطينيين؟ .. وكيف سيتعامل نتنياهو مع ثقافة الحجر والخنجر في صدر الاحتلال ..إذ أن الشعب الفلسطيني وكل ما يحيط به من دول سواء في سورية أو في لبنان أو العراق أو الأردن ومعهم إيران ،كل هؤلاء يرفعون اليوم يافطات المقاومة في حياتهم وفي سياساتهم، فأين ستذهب إسرائيل بصفقة ترامب .
وبالإضافة الى ذلك فلن يكون هناك استجابة عالمية لما يروج له ترامب بل سيواجه برفض شبه تام من المجتمع الدولي، فمن الذي يضمن أن أي رئيس أميركي ديمقراطي مقبل سوف يصادق على حماقة سياسية ودبلوماسية وأمنية مثل هذه، تضرب عرض الحائط بعناصر مقاربة أميركية للصراع العربي ـ الإسرائيلي.
هذا من جهة، ومن جهة ثانية فإن ملامح سقوط الصفقة بات واضحا، وعلى المقاومة الفلسطينية أن تتوحد وتنهي حالة الانقسام خاصة أنها ترتبط بما حولها من مقاومات في البلدان المجاورة، و خاصة ايضا إذا نفذت السلطة الفلسطينية تهديدها بالانسحاب من اتفاقية أوسلو فهذا سيشكل إرباكا كبيراً للكيان الصهيوني …فمع مخالفة ترامب للقانون الدولي بما جاء به في هذه الصفقة يكون الطريق الأممي مفتوحا تماما لشرعية المقاومة الفلسطينية وانتفاضة الشعب العربي والفلسطيني في وجه «إسرائيل» الأسود.
عـــدوان على الأمـــــم المتحـــــدة
تمثل «صفقة القرن» عدواناً مباشراً على الأمم المتحدة لأنها تخرق و تستخف بكل القرارات التي اتخذتها بشأن القضية الفلسطينية ومن أهم قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن فلسطين:
•القرار194عام 1948: دعا إلى حق عودة اللاجئين الفلسطينيين لديارهم، والولايات المتحدة صوتت لصالح القرار.
•القرار 3236عام 1974: اعترف بحق الفلسطينيين في السيادة على أراضيهم، والولايات المتحدة صوتت بلا.
•القرار 3237عام 1974: منح منظمة التحرير الفلسطينية صفة مراقب في الجمعية العامّة، والولايات المتحدة صوتت ضد القرار.
•القرار 3379 عام 1975: حدد أن الصهيونية شكل من أشكال العنصرية والتمييز، الولايات المتحدة صوتت ضد القرار.
•القرار124 /59 عام 2004: يتعلق هذا القرار بالممارسات الإسرائيلية التي تمس بحقوق الإنسان الفلسطيني في الأراضي الفلسطينية المحتلة ومن ضمنها القدس الشرقية.. الولايات المتحدة صوتت ضد القرار.
•القرار67 /19 عام 2012: أضفى على فلسطين صفة دولة غير عضو مراقب في الأمم المتحدة.. الولايات المتحدة عارضت القرار.
•القرار320/69 عام 2015: سمح للدول المراقبة غير الأعضاء بوضع العلم في مقرّ الأمم المتحدة في نيويورك.. الولايات المتحدة عارضته.
•القرار10/19عام 2017: يتعلق بوضع القدس، وتم تبنيه خلال الجلسة الخاصة الطارئة العاشرة للجمعية العامة، 128 دولة صوتت لصالح القرار وعارضته 9 وامتنعت 35 وتغيبت 21 دولة.. الولايات المتحدة صوتت ضد القرار.
أما أهم قرارات مجلس الأمن:
•قرار 2334عام 2016: قرار إدانة المستوطنات الإسرائيلية.
•قرار 1860 عام 2009: دعا إلى احترام وقف إطلاق النار الفوري والمستدام بشكل يقود إلى انسحاب إسرائيلي كامل من غزة.
•قرار 672عام 1990: طالب «إسرائيل» بوصفها القوة المحتلة بتنفيذ التزاماتها ومسؤولياتها ضمن مؤتمر جنيف الرابع.
•قرار 608عام 1988: طالب «إسرائيل» بالتوقف عن ترحيل الفلسطينيين.. الولايات المتحدة صوتت لصالح القرار.
•قرار 476عام 1980: أعاد التأكيد على عدم شرعية التصرفات الإسرائيلية لتغيير وضع القدس ومعالمها.. الولايات المتحدة امتنعت عن التصويت.
•قرار 452عام 1979: أعلن أن المستوطنات في الأراضي المحتلة لا تحمل أي صفة قانونية ،وأن الوضع القانوني للقدس لايمكن تغييره من جانب واحد. .الولايات المتحدة امتنعت عن التصويت.
•قرار 242 عام 1967: دعا إلى انسحاب «إسرائيل» من كامل الأراضي التي احتلها عام 1967 بعد حرب الستة أيام. .الولايات المتحدة صوتت لصالح القرار.
لماذا اختار ترامب شعفاط
«عاصمة افتراضية» لفلسطين ؟
برز اسم بلدة شعفاط الفلسطينية في الأيام الماضية بعد أن كشفت صحيفة إسرائيلية عن احتمالية أن تكون العاصمة الجديدة للدولة الفلسطينية والفلسطينيين، وذكرت صحيفة «يديعوت أحرونوت» اسم البلدة بعد تصريحات من مصادر إسرائيلية اطّلعت على مايسمى صفقة القرن..لكن لماذا تقترح إدارة ترامب هذه البلدة؟ وما أهميتها؟
البلدة محاصرة من كل النواحي بمستوطنات إسرائيلية ،ويحاصرها من كل الجهات مستوطنون إسرائيليون يصل عددهم إلى أكثر من 60 ألفًا، تخترقها وتحيط بها شوارع مَحمية تربط المستوطنات ببعضها البعض، وإذا ما اختيرت عاصمة لفلسطين فستكون منفصلةً جغرافيًا بشكل كامل عن الأراضي الفلسطينية – المفترضة وفقًا لخطة «صفقة القرن» – في الضفة الغربية وغزة.
وعلى كل حال تظلّ البلدة جزءًا من القدس الشرقية، التي تحكي عنها دومًا السلطة الفلسطينية، فيظهر الأمر وكأنه تلبية لرغبة السلطة الفلسطينية الدائمة: «القدس الشرقية عاصمةً لفلسطين»، ويبدو أن ترامب قصدها بقوله: «على الفلسطينيين أن يعجبوا بخطة السلام؛ لأنها جيدة لهم.
مــن مهندســــــو الصفقـــــة
منذ سنوات طويلة، يحاول ممثلو الإدارة الأميركية العمل لـ» صفقة سلام» ،فالمدعو دينيس روس عمل حوالي 15 عامًا من أجل التوصل لاتفاق كهذا، وكان هذا في عهد كلينتون و بوش وأوباما،وجميعهم غرقوا في وحل الشرق الأوسط؛ وكان مهمًا بالنسبة لترامب أن يُظهر أنه نجح بصنع المعجزات بينما فشل كلّ سابقيه.
ومنذ توليه منصب الرئيس في البيت الأبيض ألمح ترامب إلى أنه سيقود ما أسماه حينها «تسوية سلام «بين الفلسطينيين والإسرائيليين، التسوية التي أطلق عليها اسم «صفقة القرن».
وبعد ذلك مباشرة عين ترامب كبير مستشاريه وصهره جاريد كوشنر ليكون على رأس فريق المفاوضات الذي قاد هذه العملية ، وأوضح أنه «في حال لم ينجح جاريد، فلن ينجح أحد»،كما قال خلال لقائه نتنياهو في البيت الأبيض بأنه «في حال لم يتحقق ذلك، ستستمر الحياة»،ولكن إذا لم يتحقق ذلك سيضيع كل جهد الفريق الذي كان مسؤولًا عن التحضير للخطة برئاسة كوشنر».
عندما بدأ كوشنر بهندسة وبلورة «صفقة القرن» قال صهر الرئيس بأنه «يجب التفكير خارج الصندوق «وعقد قمة البحرين، وكانت نيته جمع الأموال من الدول العربية الغنية، وقد استغل علاقاته الجيدة مع آل سعود من أجل تحقيق وعود بالحصول على أموال كثيرة من طرفهم، وذلك لتعزيز «صفقة القرن».
كان لكوشنر طاقم من المحامين (كلهم صهاينة ويهود متطرفون ) وهم الذي ساعدوه في هذه المهمة منهم ديفيد فريدمان، سفير الولايات المتحدة في إسرائيل ومحامي ترامب سابقًا، وهو داعم قوي للاستيطان وقريب بوجهات نظره من وجهات نظر المستوطنين، يرى نفسه أحد المنتمين لإسرائيل وقد سعى لاتمام الخطة، وكان هو من عبّرعن أصوات المستوطنين ،وحرص على الحفاظ على مصالحهم داخل الفريق الذي عمل على التحضير للخطة .
شريك آخر في الفريق كان المبعوث الأمريكي للمنطقة جيسون غرينبلات،» يهودي» من الحريديم، شغل منصب كبير المسؤولين في شركة ترامب ومستشاره القانوني قبل انتخابه للرئاسة وقد حاول الحصول على اعتراف بإسرائيل من بعض أنظمة التبعية العربية لواشنطن،وتأسيس علاقات بينهم وبين إسرائيل، لكن جيسون استقال قبل عدة أشهر من منصبه، وشغل منصبه المحامي آفي بركوفيتش (30 عاما)، وبركوفيتش تعرف على كوشنر في الوقت الذي كان الاثنان يلعبان معًا كرة سلة، وقد وجد الاثنان لغة مشتركة، وقام كوشنر فعلًا بتجنيده للمهمة: اليوم هو يعمل كنائبه.
يحظى كوشنر بدرجة مهندس الصفقة المعماري، وسيبحث له ترامب عن طرق وعلاقات من أجل الحصول على جائزة نوبل للسلام.
هذا وادّعى أحد المقربين من العائلة بأن كوشنر قال لترامب أكثر من مرة «لا تقلق، سأجلب لك نوبل»،وفي جميع الأحوال، فإن فرص تنفيذ الخطة تكاد تكون ضئيلة، لكن بدءًا من اليوم ستكون علنية، موجودة على الطاولة ومسجلة باسم ترامب.
عزة شتيوي
التاريخ: الجمعة 31-1-2020
الرقم: 17182