هاني الراهب.. حضور أقوى من غياب

 الملحق الثقافي:إعداد: رشا سلوم:

ولد هاني محمد الراهب عام 1939 في قرية مشقيتا بمحافظة اللاذقية، لكنه عاش أعوام طفولته متنقلاً ما بين المدينة والريف ومتأثراً بوفاة شقيقه الأكبر الذي كان يتولى رعاية العائلة بكاملها، فناب عنه أخوه الثاني، إلى أن حصل هاني على الدرجة الثانية في الثانوية العامة وتم منحه مقعداً مجانياً في جامعة دمشق قسم اللغة الإنكليزية. كما منح راتباً شهرياً قدره 180 ليرة سورية.
تخرّج هاني الراهب في كلية الآداب وعُيّن معيداً في قسم اللغة الإنكليزية، ثم ما لبث أن منحته الأمم المتحدة مقعداً في الجامعة الأمريكية في بيروت، وخلال عام واحد، حصل على شهادة الماجستير في الأدب الإنكليزي، وحصل في لندن على شهادة الدكتوراه خلال سنتين ونصف. وآثر ظروف عديدة سافر الراهب إلى دولة الكويت في الخليج العربي. عندما أنهى إقامته في الكويت وعاد إلى مأواه في دمشق، كان مطمئناً إلى أنه يتمتع بكل العافية، وإلى أنه وفر من المال ما يكفيه وعائلته لتأمين حياة مستقرة وكريمة تؤمن له المناخ الملائم للكتابة والتأليف، وسرعان ما نشر روايتيه الأخيرتين (خضراء كالبحار) و(رسمت خطاً في الرمال) ولم يمض طويل من الوقت حتى اكتشف فجأة أن مرض السرطان لم يغادر جسده وتشبث فيه بانتشاره في أعضاء جسده كافة. وتوفي في دمشق إثر مرض عضال في السادس من شباط عام 2000 .
مارس كتابة الرواية والقصة والنقد الأدبي، له ثماني روايات وثلاث مجموعات قصصية صدرت آخرها بعيد رحيله.
الروائي المجدد
يعتبر هاني الراهب أنموذجاً للروائي المجدد والمتجدد، عمل على تطوير الرواية السورية من خلال اشتغاله وبحثه الدؤوب عن التعبير الروائي والتقـنية الروائية واقتصاد اللغة، فالتوتر اللغوي عنده يستمد نسيجه من تصور موحد للغة باعتبارها هيولى لاتزال في حالة الصيرورة، وفي هذا قال الراهب يوماً: «ما دامت الرواية ظاهرة تكاد أن تكون حديثة العهد في تراثنا الأدبي، فينبغي أن يحتويها بناء لغوي وأسلوبي جديد». وقد كان لكتاباته تأثير مميز على الرواية العربية شكلاً ومضموناً وشكلت علامة بارزة في مسيرة الرواية العربية المعاصرة وتطورها.
وقد جاء حول رواياته قول أحدهم: قد كانت هذه الروايات تجريبية، ولديها مشروع لإعارة ترتيب وتدوير مستويات ومحاور كل عمل، فالمقدمة تتطور بالتزامن مع الخاتمة، والأحداث تحاول أن تكشف عن نفسها بصوتها الخاص أو بواقعيتها الفجة. وربما من هنا جاءت قصص مجموعته المهمة «جرائم دون كيشوت». وفيها إعادة تعريف لمعنى الأدب التسجيلي.
كان هاني الراهب يستعير شخصياته من المدونة، ثم يعيد ترتيب محتوياتها، وسمح لنفسه باستعمال كل أدوات ما بعد الحداثة من ميتا نص، وتعالي صوت الكاتب على صوت الراوي (بطريقة التلقين في المسرح)، وتنشيط الذاكرة بواسطة الإلغاء أو التغييب وهكذا. ومع أن البطولة جماعية فهي لم تكن بطولة جيل، وإنما شريحة تضم كافة الأعمار وتنقل الإحساس باللاجدوى وبعقم الإدراك. ولذلك كانت الشخصيات تذبل ثم تموت، أو تدخل مرحلة احتضار سريري. وبهذه الطريقة تناقصت شخصيات الراهب، وبقيت أمامه نماذج أفراد ختم بهم مشواره مع فن الرواية، وبدأ يكتب عن أزمات أشخاص يمرون بمحنة مع الذات أو بعدم انسجام مع المجتمع، كما هو حال بطلات أهم آخر أعماله ومنها «رسمت خطا في الرمال»، «خضراء الحقول»، «خضراء كالمستنقعات» وغيرها. وفيها رسم صوراً مؤسفة لشخصيات تستسلم لواقعها المجحف، وتتكسر عند حدود تجاربها الخاصة، وتستعد للسقوط في حفرة الوجود الخامد أو للتصالح معه.
المهزومون
أعلنت دار الآداب في عام 1960، عن مسابقة للرواية العربية اشترك فيها أكثر من مئة وخمسين كاتباً عربياً، وكان هاني الراهب طالباً في جامعة دمشق، لم يتجاوز عمره الثانية والعشرين. وكانت المفاجأة بأن فازت روايته «المهزومون» بالجائزة الأولى.
التلال
رواية (التلال) التي نشرت عام 1989 في بيروت، لم يستخدم المحاور بل استعاض عنه بالدلالات، تتناول عالمين متناقضين ظاهرياً عالم الأسطورة والأحلام والرغبات والهواجس المولدة من عذابات المجتمع وقحله كما يصفها الروائي حسن حميد، وفي الجانب الآخر هناك عالم التاريخ الواقعي تماماً والمعروف. فيها عدة أزمنة متداخلة مثل الزمن التاريخي المشار إليه مباشرة في الرواية (الحرب العالمية الأولى والثانية، وعام 1946) وهناك الزمن النفسي الذي يبدو جلياً في العديد من شخصيات الرواية، وهناك الزمان الأسطوري (الذي تمثله فيضه) وهناك أيضاً ما أسماه الراهب زمن اللازمان والذي يمثله الدراويش، وهي رواية تتكلم عن العرب، عن تجربة التقدم في تاريخ الأمة العربية المعاصر، وهي لا تخص قطراً عربياً دون آخر، فاستعمل أسماء الشخصيات والبلدان ذات الدلالة الخاصة والمستمدة من تاريخ المنطقة.
المكان في رواياته
المكان عموماً في روايات هاني الراهب إشكالي، فهو موجود ومحدد في بعضها، وفي الآخر مبهم، فنجد في رواياته الثلاث الأولى أن المكان هو دمشق، والثانية هو اللاذقية، وفي بلد واحد هو العالم يبدو المكان وكأنه حارة عربية، وفي التلال هو مدينة قد تكون دمشق أو القاهرة أو بغداد.
أعماله: المهزومون، بلد واحد هو العالم، المدينة الفاضلة- قصص، التلال –رواية، شرخ في ليل طويل –رواية، خضراء كالمستنقعات- رواية، ألف ليلة وليلتان – رواية، رسمت خطاً في الرمال-رواية، جرائم دونكيشوت – قصص، خضراء كالعلقم-قصص، الوباء –رواية.

التاريخ: الثلاثاء11-10-2020

رقم العدد : 986

آخر الأخبار
الدكتور الشرع: تفعيل اختصاصات الصحة العامة والنظم الصحية للارتقاء بالقطاع وصول الغاز الطبيعي إلى محطة دير علي.. الوزير شقروق: المبادرة القطرية ستزيد ساعات التغذية الكهربائية مرحلة جديدة تقوم على القانون والمؤسسات.. الشرع يوقِّع مسودة الإعلان الدستوري ويشكل مجلساً للأمن القو... الرئيس الشرع يوقِّع مسودة الإعلان الدستوري تاريخ جديد لسوريا وفاتحة خير للشعب غياب ضوابط الأسعار بدرعا.. وتشكيلة سلعية كبيرة تقابل بضعف القدرة الشرائية ما بعد الاتفاق.. إعادة لهيكلة الاقتصاد نقطة تحول.. شرق الفرات قد يغير الاقتصاد السوري نجاح اتفاق دمج قوات سوريا الديمقراطية.. ماذا يعني اقتصادياً؟ موائد السوريين في أيام (المرق) "حرستا الخير".. مطبخ موحد وفرق تطوعية لتوزيع وجبات الإفطار انتهاء العملية العسكرية في الساحل ضد فلول النظام البائد..  ووزارة الدفاع تعلن خططها المستقبلية AP News : دول الجوار السوري تدعو إلى رفع العقوبات والمصالحة فيدان: محاولات لإخراج السياسة السورية عن مسارها عبر استفزاز متعمد  دول جوار سوريا تجتمع في عمان.. ما أهم الملفات الحاضرة؟ "مؤثر التطوعي".. 100 وجبة إفطار يومياً في قطنا الرئيس الشرع: لن يبقى سلاح منفلت والدولة ضامنة للسلم الأهلي الشيباني يؤكد بدء التخطيط للتخلص من بقايا "الكيميائي": تحقيق العدالة للضحايا هدوء حذر وعودة تدريجية لأسواق الصنمين The NewArab: الشرع يطالب المجتمع الدولي بالضغط على إسرائيل للانسحاب من جنوب سوريا "The Voice Of America": سوريا تتعهد بالتخلص من إرث الأسد في الأسلحة الكيماوية