أورنينا

 هو اسم صاحبة أحد أشهر التماثيل السورية وأقدمها، فهو يعود إلى عهد السلالات الملكية الأولى في مملكة ماري على الفرات الأوسط، حوالي الألف الثالثة قبل الميلاد، وقد عثر عليه ضمن لقى معبد عشتار المعروفة باسم تماثيل (العُبّاد) وهي منحوتات صغيرة (دمى) تمثل أصحابها وتقدم كنذور إلى المعبد لنيل البركة، وينقش خلف كتفها اسم صاحبها مما أتاح التعرف عليه، وهو هنا (أورنينا)، أو (أور – نانشي).
يعتبر تمثال (أورنينا) المحفوظ في المتحف الوطني بدمشق من روائع فنون الشرق القديم، يبلغ ارتفاعه 25.4سم، وعرض 13.5سم منحوت من حجر الألباستر الأبيض وهو حجر محلي يشبه الرخام. ويصف الراحل الأستاذ بشير زهدي التمثال بالقول: (لها حاجبان ظاهران ومتصلان لهما شكل قوسين جميلين فوق عينين كبيرتين شاردتين ومعبرتين أجمل تعبير عن جمال أنوثتها وفتنتها، يشع منها الذكاء والنباهة، ولأنفها شكل مثلث ولها شفتان رقيقتان متصلتان ببعضهما تتجسد فيهما جمالية الصمت الناطق. ولها ذقن جميل، وخدان ممتلئان وأذنان كبيرتان نسبياً، ينساب شعرها الأسود المتموج الجميل من قمة رأسها خلفها إلى ظهرها حتى سوية خصرها، وهو أملس في أعلاه وأجعد في نهاياته وصدرها عار. وهي جالسة على وسادة مزخرفة مستديرة الشكل وعالية، يداها غير ثابتين، تبدو يسراها كأنها تمسك بآلتها الموسيقية، وتبدو يمناها مرتفعة قليلاً كأنها تعزف على هذه الآلة الموسيقية. وتبدو أورنينا في تمثالها الجميل متدثرة بتنورة لها شكل سروال ينحسر عن ركبتيها، ويدل على أنه لباس راقصة إلى جانب كونها مغنية معبد عشتار وموسيقية فيه. ويبدو على ظهرها كتابة مسمارية تتضمن اسمها (أورنينا) وأنها قد نذرت تمثالها لمعبد عشتار، الذي عثر فيه هذا التمثال الفني الجميل الرائع..).
لكن ليس كل الناس يرون الجمال بعين عالم الآثار، فحين استلم الفنان دريد لحام إدارة مهرجان الأغنية السورية عام 1995 أراد أن يكون للمهرجان رمز بصري ينتمي إلى عمق تاريخ الفن السوري، ولما اقترحنا عليه تمثال أورنينا لم يخفِ تحفظه على شكلها، غير أنه لم يعترض على خيار اللجنة الثقافية للمهرجان فأصبحت أورنينا اسماً ملازماً لمهرجان الأغنية السورية، وحملت جوائزه أسماء: أورنينا الذهبية والفضية والبرونزية، بعد أن قام فنان شاب بتصميم دروع هذه الجوائز محتضناً تمثال المغنية بمفتاح صول على شكل قيثارة. ومن ثم شاع اسم أورنينا كثيراً فأطلق على معاهد موسيقية وفرق غناء ورقص، وحتى على مطاعم وفنادق ومقاهٍ.
ومع أن اسم أورنينا قد ارتبط بالغناء والموسيقا والرقص، فإنه لم يكن غائباً عن النشاط التشكيلي ففي عام 1971 أسس الفنان محمد دعدوش صالة أورنينا للفن الحديث استمراراً لصالة الفن الحديث العالمي التي كان قد أسسها عام 1960 ولعبت دوراً كبيراً في الحياة التشكيلية والثقافية السورية. وفي أواخر عام 1986 أهدى المرحوم مروان مبيض، الذي رحل عن دنيانا منذ أيام قليلة، أهدى مدينة دمشق أفخم صالة عرض حملت اسم أورنينا بمساحة نحو أربعمئة متر موزعة على طابقين. وقد افتتحت الصالة بمعرض مشترك عالي الأهمية لكبار التشكيليين السوريين (نصير شورى، محمود حماد، الياس زيات، نذير نبعة، ليلى نصير..) وكان افتتاحها حدثاً ثقافياً مهماً لأكثر من سبب بدءاً من موقعها في مركز المدينة (شارع 29 أيار) وهندستها الفريدة التي روعي فيها بدقة مسألة الفراغ وحركة المشاهدين وشروط العرض والإنارة، وهو ما يمكن تلخيصه بالقول إن الصالة بحد ذاتها كانت عملاً ساهم فيه المهندس حكمت شطا. وقد نجح هذا العمل الفني بتحقيق الغاية الجمالية والوظيفة الاستخدامية في الوقت ذاته.
بعد سنتين وشهرين و 23 معرضاً أغلقت الصالة أبوابها. وإثر ذلك نشرت مطلع عام 1989 في هذه الصحيفة مرثية طويلة حملت عنوان (وداعاً أورنينا) كان لها بعض التداعيات، وهو حديث آخر.

سعد القاسم
التاريخ: الثلاثاء 18-2-2020
الرقم: 17195

آخر الأخبار
قادمة من ميناء طرابلس..الباخرة "3 TuwIQ" تؤم  ميناء بانياس "الزراعة الذكية"  للتكيّف مع التغيرات المناخية والحفاظ على الثروات   "التربية والتعليم": مواءمة التعليم المهني مع متطلبات سوق العمل إجراءات خدمية لتحسين واقع الحياة في معرّة النعمان من قاعة التدريب إلى سوق العمل.. التكنولوجيا تصنع مستقبل الشباب البندورة حصدت الحصّة الأكبر من خسائر التنين في بانياس  دعم التعليم النوعي وتعزيز ثقافة الاهتمام بالطفولة سقطة "باشان" عرّت الهجري ونواياه.. عبد الله غسان: "المكون الدرزي" مكون وطني الأمم المتحدة تحذِّر من الترحيل القسري للاجئين السوريين الجمعة القادم.. انطلاق "تكسبو لاند" للتكنولوجيا والابتكار وزير العدل من بيروت: نحرز تقدماً في التوصل لاتفاقية التعاون القضائي مع لبنان "الطوارئ" تكثف جهودها لإزالة مخلفات الحرب والألغام أردوغان: اندماج "قسد" بأقرب وقت سيُسرّع خطوات التنمية في سوريا "قصة نجاح".. هكذا أصبح العالم ينظر إلى سوريا علي التيناوي: الألغام قيد يعرقل عودة الحياة الطبيعية للسوريين مدير حماية المستهلك: تدوين السعر مرتبط بالتحول نحو مراقبة السوق الرابطة السورية لحقوق اللاجئين: مخلفات الحرب تعيق التعافي "تربية حلب" تواصل إجراءاتها الإدارية لاستكمال دمج معلمي الشمال محافظ إدلب يلتقي "قطر الخيرية" و"صندوق قطر للتنمية" في الدوحة "تجارة دمشق": قرار الاقتصاد لا يفرض التسعير على المنتجين