ثورة أون لاين- لوريس إبراهيم:
ما إن تصل إلى قلعة الكهف وتقف في الساحة الواسعة أمامها إلا وينتابك شعور بعظمة تاريخ سورية ….لكن بنفس الوقت تشعر بالحزن لغياب الخدمات والإهمال غير المبرر لهذه القلعة ….
نقف حائرين كوننا نرى هذه القلعة ولا نعرف من أين بوابة الدخول إليها وبعد الاستعانة بأحد أهالي قرية «المريجة » المجاورة لها استطعنا أن نصل الى البوابة الرئيسية عبر طريق وعر جداً،معالمه ضائعة مغطى بالحشائش والأشجار.
وما إن تصل إلى سطح القلعة حتى ترى العبث الذي أصابها من بعض المستهترين أو السارقين الذين قاموا بالحفر للبحث عن الآثار أو الذهب .
لم يخف سكان القرى المجاورة دهشتهم وامتعاضهم من سوء الخدمات والإهمال المترافق مع العبث بهذه القلعة مؤكدين أنه لو كانت خدماتها مؤمنة من طرق وإنارة وترميم لكانت وجهة للسياح من كل مكان …. الأمر الذي ينعكس إيجابا على سكان هذه القرى من حيث تأمين فرص عمل للأهالي وتأمين متطلبات السياح ….
الأمر الآخر الذي لفت إليه الأهالي أن هذه القلعة لا يمكن ان يتجرأ أحد للدخول إليها في فصل الصيف بسبب الخوف من الزواحف والأفاعي.
أما ليلا فلا يمكن حتى مجرد التفكير بزيارتها رغم موقعها المطل على ثلاثة وديان عميقة ،وطالب الأهالي الجهات المعنية بضرورة تخديم القلعة وترميمها أسوة بباقي القلاع….
بدوره لم يخف مدير آثار طرطوس مروان حسن قلة الإمكانيات لتخديمها نظراً لموقعها الواقع على صخرة كبيرة الأمر الذي يعيق تخديمها.
وهنا نقول ان (قلعة الكهف) التي تقع في محافظة طرطوس تعتبر من القلاع الأثرية المهمة في سورية..و تتبع لمزرعة المريجة -منطقة وبلدية الشيخ بدر وتبعد عنها 20 كم باتجاه شمال غرب في منتصف المسافة الفاصلة بين قلعة القدموس والشيخ بدر في منطقة جبلية يتخللها وديان و أنهار وتكسوها الغابات الطبيعية ما أكسبها سحراً وجمالاً، وهذا ما دفع المعنيين في وزارة الزراعة لإصدار قرار باعتبار الموقع محمية طبيعية.
ترتبط القلعة مع مجموعة من القلاع الأخرى الموجودة في المنطقة مثل قلعة القدموس – العليقة -الخوابي -مصياف- أبو قبيس…. وتشكل نقطة المركز بينها.
الأرض الصخرية
القلعة بالسريانية تعني الأرض الصخرية غير الصالحة للزراعة ،والكهف هو المغارة في لحف الجبل…وتاريخ القلعة مرتبط بتاريخ سكن ووجود الإنسان في هذه المنطقة والدلائل الأثرية الموجودة أو التي تم العثور عليها حتى الآن تعود الى الفترة الكلاسيكية، وشواهدها المعمارية القائمة تشير إلى أنها بنيت في بداية القرن الحادي عشر ميلادي.
خضعت القلعة لسيطرة الظاهر بيبرس المملوكي واحتلها المغول عام 1259-1260.
أهمية القلعة
وعن أهمية القلعة أكد مدير الآثار بطرطوس أنها بنيت على غرار قلعة الموت في بلاد فارس على بحر الخرز ( والموت كلمة فارسية تعني عش النسر ).
وأصبحت القلعة مركزاً لناحية تعرف باسم (ناحية الكهف)بالفترة المملوكية 1269_1516م والعثمانية عام 1516_1817م حيث دمروها وتم نقل مركز الناحية منها إلى قلعة القدموس.
وأوضح أنها تقوم فوق بروز جبلي صخري مرتفع معزول عما يحيط به ذي سفوح منحدرة باتجاه نهرين يحيطان بالقلعة من ثلاث جهات: الشرقية والجنوبية والغربية،وتمتد بشكل شرق غرب بطول 600متر، وعرض يزيد 25 متراً ضمن غابة طبيعية كثيفة الأشجار ولا يمكن الوصول إليها إلا من الجهة الشرقية عبر طريق معبد أنشئ حديثا.
وبين أنه يحيط بالقلعة سور عريض يتراوح عرضه من 1.5م 2,5ويتراوح ارتفاعه ما بين 4م إلى 6م وهو متلازم مع حجم الصخرة الطبيعية حيث بني السور بحجارة مسواة من القطع الكبيرة والمتوسطة وبعضها منحوت من خلال مدماكين بينهما حشوة حصوية واستخدمت الطينة الكلسية في تثبيت هذا السور مدعم ببرجين مربعين بارزين باتجاه الخارج يقعان في الجهة الشمالية والشمالية الغربية وهناك برج ثالث يقع في الجهة الشرقية وهو نصف اسطوني ،ويتخلل السور طلاقات لرمي السهام… والصخرة التي تقوم عليها ليست مستقيمة تماما، وإنما أخذت في منطقة المنتصف من الجهة الجنوبية شكل منكسر بزاوية منفرجة .
أقسامها وملحقاتها
وأضاف حسن أن للقلعة ست بوابات، وهناك سوران خارجيان لحماية المنشآت الموجودة خارجها مثل الحمام والجامع وعدد من الأبنية والدرج ،ويوجد على سطحها عدد كبير من الآبار وصهاريج المياه المبنية والمنحوتة ضمن جسمها ومعاصر العنب والزيتون ،واسطبل وسجن وأقبية وغرف سكنية وحمام بالإضافة إلى البناء الرئيسي فيها والغرف الملحقة به .
وأكد أنه تم إجراء بعض الحفريات من قبل دائرة آثار طرطوس على الجهة اليسرى واليمنى من البوابة المؤدية إلى سطح القلعة خلال مواسم من 2004 _2005_2008 وحتى 2018 ولكن بشكل متقطع وقدكشف من خلالها على عدد من جدران الغرف وعدد من الآبار وخزانات المياه المبنية وصهاريج منحوتة في الأسفل وجميع أسطح الخزانات العقدية مزالة ومملوءة بالردميات باستثناء أحدها الواقع إلى يسار البوابة التي تم تفريغه من الردميات .
وأضاف حسن.. تم الكشف من خلاله عن وجود صهاريج مياه منحوتة في الصخر الطبيعي ضمن جسم القلعة يتخللها أعمدة من ضمن الصخر نفسه وهي مفتوحة على بعضها، ولها بعض فتحات التهوية من الأعلى ،وهي واقعة أمام مدخل البوابة ،كما تم الكشف عن حوض معصرة زيتون من الفترة الإسلامية وبعض أجران وأرضيات المعاصر المنحوتة بالصخر الطبيعي وبعض الطلاقات في السور الجنوبي ،بالإضافة إلى خزان مائي آخر ممتد بشكل عرضي سقفه مزال وقسم من جدرانه أمام مدخل البوابة من الجهة الشرقية.
وبين أنه خلال موسم 2013 تم إجراء سبرين على الجهة اليسارية في أقصى الجهة الشمالية من منطقة الحفريات القديمة تم الكشف من خلالهما على غرفتين متجاورتين على جدار إحداهما تم الكشف على لوحة عليها كتابة دينية أبعادها حوالي 40 ضرب 30 وتعرضت للتخريب من قبل عابثين… وخلال موسم 2014 تم الكشف عن أربع غرف وأصبح عدد الغرف المكتشفة 6 غرف.
وقال إنه تبين وجود استخدامات لأنواع فخارية متنوعة الأشكال والأحجام من صحون وجرار وأباريق مطلية بطبقة من المينا والألوان تراوحت ما بين الأسود والبني والأخضر والأصفر بعضها يحمل زخارف هندسة جميلة وبعضها الآخر يحمل زخارف نباتية.. أما القسم الثالث فهو مخطط أو سادة قي حالة جيدة وتم استخدام الفخار كأنابيب لإيصال المياه من مكان إلى آخر وأحيانا للتصريف وكله يعود إلى الفترة المملوكية. وأوضح أن الأرضيات ثلاثة أنواع منها أرضيات حجرية مبلطة حجارتهامنحوتة ومسقوفة، وأرضيات حجرية طبيعية لكنها مشغولة وتم تكييفها وفق حالة الاستخدام من خلال خطوط مدرجة ،وأرضيات مكسية بطبقة من الطين الكلسية … أما الجدران فقد بنيت بشكل متعامد من خلال حجارة كلسية مشذبة وبعضها منحوت من القطع المتوسطة والصغيرة وأغلبها تم إحضاره من الكتلة الصخرية الموجودة على سطح القلعة… والجدران بنيت من حبتين بينهما حشوة حصوية مترافقة مع الطينة الكلسية في حين كسيت الجدران من الداخل بالطينة الكلسية ،أما فتحات الأبواب فهي نظامية في الجهة اليسرى .
وأشار حسن إلى أنه في موسم 2015 تم العمل في الجهة المواجهة لبوابة القلعة المؤدية إلى السطح وقد تم الكشف عن معصرة زيتون من الفترة الرومانية وأقنية منحوتة مغطاة ببلاطات حجرية وبعض الجدران من الفترة الإسلامية ومدخل باب يؤدي الى غرفة واقعة في الجهة المقابلة للمعصرة أرضيتها مبلطة جدرانها مزالة .
وعن المنشآت و المباني التابعة للقلعة قال : يتبع لها عدد من المدارس الدينية : اللوليدات والجامع قرب اللوليدات والجامع الرئيسي غرب البوابة الرئيسية ،وجامع كاف الحمام ،و جامع بسطريام الذي أزيل وحمام بيت صافي، و طاحونتان مائيتان قرب الحمام ،وعدد من الجسور جسر الحاج حسن – جسر طاحونة المخيضة وجسر نهر الزريقة .. ويقع حمام القلعة الرئيسي على يمين الطريق المؤدي إلى القلعة وقبل البوابة الثانية الرئيسية بعدة أمتار وقد قامت دائرة الآثار بكشف هذا الحمام ،ويعود هذا الحمام الى الفترة الإسلامية 572 – 1176 /م… ويتكون الحمام من البراني – الوسطاني الأول – الوسطاني الثاني – الجواني – الخزانات.
مشروع طريق القلعة
وفي لقاء مع (الثورة) تحدث رئيس مجلس مدينة الشيخ بدر المهندس باسل سلمان عن مشروع طريق قلعة الكهف حيث أشار إلى أنه تم إعداد الدراسات اللازمة من قبل مديرية الخدمات الفنية بطرطوس لشق الطرق التخديمية في محيطها حيث خلصت الدراسة إلى اختيار طريقين الطريق الأول من نهاية الطريق الإسفلتي القائم وحتى باب القلعة ومدخلها وهو بطول حوالي 300 م وعرض وسطي 3 م ويحتاج إلى أعمال حفر وتسوية باليد العاملة.
وعن الطريق الثاني أضاف المهندس سلمان أنه تتمة للطريق الأول ويحيط بالقلعة من جوانبها كافة ،وهذا المسار بطول 1300م تقريبا .
وأوضح المهندس سلمان أنه تم تنفيذ الطريق الأول وبإشراف مجلس مدينة الشيخ بدر ومديرية الآثار والمتاحف بطرطوس ومديرية زراعة طرطوس وذلك في عام 2019 حيث كان أمر المباشرة للمشروع في الشهر العاشر من عام 2019 ،ومدة المشروع شهر واحد وتم إنجاز كافة أعمال المشروع والانتهاء منه .