بقلم الكاتب ستيفن غوانز:
تنظر وسائل الإعلام الأميركية بشكل واضح إلى أن تحرير الملايين من السوريين من إرهاب القاعدة المدعوم من تركيا في إدلب على أنه مأساة إنسانية، وهم بهذا يخدمون سياسة الولاء لأجندة واشنطن الجيوسياسية وهدفها السيطرة على كل البلاد في غرب آسيا دون استثناء، حتى لو كان هذا يعني الاعتماد على تنظيم القاعدة لتحقيق أهدافها.
في 20 شباط نشرت صحيفة وول ستريت جورنال مقالة حول ما يجري في إدلب على أنه يمكن أن يكون (أكبر قصة رعب إنساني في القرن الحادي والعشرين)، في إشارة إلى تقدم الجيش السوري في إدلب بدعم الطيران الجوي الروسي.
في أيلول 2019، قال إريك شميت من صحيفة نيويورك تايمز إن إدلب تضم (مجموعة كبيرة من الجماعات الراديكالية المتطرفة والإرهابية، التي تهيمن عليها (جبهة النصرة) التي تعتبر المنظمة الأكبر المرتبطة بتنظيم القاعدة، وقد كانت تسيطر على 99 في المئة من إدلب والمناطق المحيطة بها وخلقت ما أطلق عليه (كوكبورن) أي (دويلة صغيرة تديرها القاعدة) ووراء ذلك كله جلس أردوغان على عرش (السلطان).
(جبهة النصرة) هي جزء من تنظيم (القاعدة في سورية)، والتي هي بدورها أيضاً جزء من تنظيم القاعدة في العراق وأفغانستان، لذلك نتحدث عن تنظيم القاعدة، بغض النظر عن أسمائه المختلفة؛ حيث تم تصنيفها جميعاً من قبل مجلس الأمن الدولي ككيانات إرهابية.
وقد وصفت صحيفة واشنطن بوست (جبهة النصرة) بأنها جماعة متطرفة بدأت كمنظمة تابعة لتنظيم القاعدة في سورية وحاولت إعادة تسمية نفسها عدة مرات خلال الحرب على سورية، بينما تدرج صحيفة وول ستريت جورنال المجموعة على أنها (فرع لتنظيم القاعدة).
(جبهة النصرة) (ركزت جدول أعمالها على محاربة الحكومة السورية، مع عدم وجود مصلحة لها في شن هجمات في الخارج، وفقاً لتقييم الأمم المتحدة مؤخراً، وهذا يجعل (مجموعة) القاعدة مقبولة لدى الولايات المتحدة الأميركية، وهذا ما يفسر أيضاً لماذا تطلق وسائل الإعلام الأميركية على منظمة تصنف بأنها إرهابية خارج سورية أسماء مثل (المعارضة المسلحة) و (المتمردين) في سورية.
في أيلول 2018، توصلت روسيا وتركيا إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في إدلب، كما أوضحت صحيفة وول ستريت جورنال، ونص الاتفاق على أنه يجب أن ينسحب (مقاتلو القاعدة) من منطقة عازلة منزوعة السلاح على طول الخط الأمامي، ولكن بدلاً من الانسحاب، وسعت (القاعدة) المناطق الخاضعة لسيطرتها مع الاستمرار في اعتداءاتها على مواقع الجيش السوري، كما استهدفت القاعدة الجوية الروسية في حميميم، وقصفت البلدات والقرى، (وقتل عناصرها المدنيين وأجبروا أكثر من 10000 على الفرار) وفقاً للأمم المتحدة، وفشلت تركيا في الوفاء بالتزامها بنزع سلاح (مقاتليها).
الجيش السوري قام بدعم من حلفائه الروس والإيرانيين بعملية عسكرية لتحرير إدلب، رداً على اعتداءات القاعدة التي لم تتوقف قط، فالحكومة السورية عليها واجب حماية مواطنيها وإعادة السيطرة على أراضيها.
في خطابه أمام مجلس الأمن في أيار سأل الدكتور بشار الجعفري:
متى سيتم الاعتراف بأن الحق الذي نمارسه هو نفس الحق الذي مارسه الآخرون في مواجهة الهجمات الإرهابية على مسرح باتاكلان ومكاتب شارلي إبدو في باريس، وكذلك الأعمال الإرهابية في نيس، لندن، بوسطن ومدن أخرى؟ والجميع يعلم أن الإرهابيين الذين قاموا بهجماتهم الإرهابية في هذه الدول لم يكونوا مزودين بقاذفات الصواريخ التركية والدبابات والآليات الثقيلة.
بصرف النظر عن التملص من الحقائق المزعجة مثل الهوية الحقيقية (للمعارضة المسلحة) وارتباط أردوغان بها، فقد فشلت وسائل الإعلام الأميركية في معالجة عدد من الأسئلة الأساسية.
أولاً، هل من المشروع أن تستخدم الحكومة السورية القوة لاستعادة الأراضي التي يحتلها عدو مسلح؟ إذا كانت الإجابة (لا)، فقد تصرف الحلفاء بشكل غير قانوني خلال الحرب العالمية الثانية في تحرير أوروبا من الاحتلال النازي، لأن مشروعهم كان مستحيلاً دون تعريض بعض المدنيين للخطر والتسبب في تهجير آخرين من مناطقهم.
ثانياً، إذا كانت الخسائر المدنية وتهجير الأهالي من النتائج المقبولة لاستيلاء القوات الأميركية على الرقة من داعش، كيف يفزعون في حالة قيام القوات السورية بتحرير إدلب من (القاعدة) وتخليص آلاف الأشخاص من إرهاب (النصرة)؟.
لا يزال السؤال الأساسي هو: هل من المقبول الرد بقوة على هجمات العدو؟ الجواب واضح، والذي قد يكون السبب وراء عدم طرحه مطلقاً، لأنه إذا سئل، فإن العمليات العسكرية السورية ضد اعتداءات القاعدة المستمرة يجب أن تُقبل على أنها شرعية، بدلاً من تصويرها كذباً على أنها أعمال (عدائية) ضد المدنيين.
ثالثاً، هل وجود تركيا على الأراضي السورية مشروع؟ الجواب سلبي تماماً، لا يختلف غزو تركيا لسورية واحتلال القوات التركية لجزء من الأراضي السورية في القانون أو السياسة أو الأخلاق عن الغزو النازي لبولندا وفرنسا والاتحاد السوفييتي وغيرها.
من الواضح أنه غير قانوني، وإهانة لـ (القانون الدولي) فقد تم تنفيذ الغزو والاحتلال التركي للأراضي السورية دفاعاً عن وكيل (القاعدة) في تركيا، ولتعزيز مصالح الأتراك والمتطرفين ضد مصالح السوريين، فأردوغان ليس بطلاً، بل هو شرير، يداه ملطختان بدماء السوريين الأبرياء.
أخيراً، ما تكاليف استمرار سيطرة (القاعدة) على المدنيين السوريين في إدلب، كانت وسائل الإعلام الأميركية تذكر وبشكل عام الخسائر التي تكبدتها واشنطن لشن حربها على (القاعدة) في العراق وأفغانستان واليمن، مع الإشارة إلى خسائرها لإخراج داعش من معاقلها في العراق وسورية، ولكنها (وسائل الإعلام الأميركية) نفسها لم تندد أبداً بالحرب الأميركية على داعش ولم تصفها بأنها (قصة رعب إنساني)، وهو مصطلح يستخدمه الأميركيون للتنديد بحرب سورية على (القاعدة) بمختلف مسمياتها، بدلاً من ذلك يتم تصوير (داعش) كقصة رعب إنسانية، والجهود المبذولة لتقويضه وإلحاق الهزيمة به موضع ترحيب، لذلك يجب أن يكون هذا صحيحاً أيضاً بالنسبة لحرب سورية على (القاعدة)، ولذلك أيضاً يجب أن تلقى العمليات العسكرية التي يقوم بها الجيش السوري من أجل هزيمتها الترحيب والاستحسان.
إن التقدم العسكري السوري لاستعادة إدلب وتحريرها من تنظيم القاعدة لم يلق الترحيب من قبل وسائل الإعلام الأميركية، على الرغم من أن الحملة جديرة بالثناء على مستويات متعددة، فهي تستعيد الأراضي الوطنية التي يسيطر عليها وكلاء القوى الأجنبية، وتهدف إلى تحرير السوريين الذين يعانون من إرهاب منظمة مكونة من آلاف المتطرفين المسلحين الأجانب.
علينا إذاً أن نحيي عمليات الجيش السوري وحلفائه الروس والإيرانيين، لا أن نشجبها، هذه الأعمال العسكرية هي رد الفعل الطبيعي ضد الإرهاب والقمع والعدوان الأجنبي على الأراضي السورية، كما أنها للدفاع عن الديمقراطية على المستوى الدولي، واستعادة الأمن والاستقرار للشعب السوري.
ترجمة: ميساء وسوف
التاريخ: الجمعة 28-2-2020
الرقم: 17205