.. رشقوه بدلو ماء بارد، ثم بدأ الدلو تلو الآخر يثلج قلبه الدافئ المفعم بالحب والعمل.. إنه نسر من نسور سورية من قرية أبو دالي، ناحية معرة النعمان في إدلب، ضمن فيديو انتشر على وسائل التواصل الاجتماعي يوضح الطيار السوري في أول طلعة منفردة له..
وفي طقس من طقوس القوى الجوية السورية، اعتاد الزملاء والقادة سكب الماء البارد على الطيار بعد أن ينهي فترة تدريبه ويهم بأول طلعة له كطيار متمرس..
طقوس السوريين الشعبية المقدسة يمارسونها في كل المناسبات والمحافل، وتقاليدهم وموروثهم لم يتخلوا عنه برغم كل الظروف.. ربما الاستحمام بالماء البارد عنوان بداية وانطلاقة دورة حياة مفعمة بالخصب والعطاء والنقاء والتطهر والديمومة، إضافة لدور الماء التاريخي في روحية وأفكار الأقوام والشعوب، كما تكاد لا تخلو عقيدة دينية من تقديس الماء، ولا تخلو الأساطير أيضا من قصص وروايات الماء ف (ليليث) تُعرف في معجم الأساطير على أنها ألهة سومرية للخصب عند سكان وادي الرافدين القدامى.
الطقوس التي يمارسها السوريون بكل أطيافهم تتعدد وتتنوع بحسب المناسبات وبحسب الموروث الشعبي والفكري ويمكن تصنيفها ضمن لائحة التراث اللامادي، وتعبر عن الشخصية السورية المفعمة بالتلاقح الحضاري والإنساني بعيدا عن الأحادية والتطرف التي حاول أعداء سورية نشرهما خلال سنوات الحرب عليها ولأننا شعب يعيش ويتغذى على التنوع وعلى الديمومة في ممارسة طقوسنا بكل فخر ودون زيف سنبقى القوة الفاعلة في فكرنا ومجتمعاتنا وتراثنا وجديد حياتنا وسيتلاشى أمام انفتاحنا كل المتطرفين والأحاديين الذين تم تدريبهم وتربيتهم بعناية وتقنيات ليكونوا حواضن خاصة في تدنيس كل مايتعلق بسوريتنا.. وستلتهمهم الخصوبة والعطاء والنقاء والماء الذي مازلنا نمارس طقوسه إلى اليوم.
الفيديو الذي تم تصويره من قبل زملاء الطيار كان بمثابة توثيق للحظة جميلة تمر في حياته، ولكن هذا الفيديو بدا لنا بطقوسه موروثاً يداعب الروح والنفس وهكذا طقوس لابد من توثيقها وحفظها في كتب الموروث الشعبي الذي ربما يتلاشى ويندثر شيئاً فشيئاٍ لولا بعض الهوايات الفردية في ثوثيق جزء بسيط من موروث يمتد لحضارة عمرها آلاف السنين.. تسجيل كنوز معارفنا التي لاتحصى وصورها الجميلة في ذاكرة وحياة الأجداد والسلف تستحق الاهتمام لتبقى حية في ذاكرة الأبناء والأجيال القادمة.
هناء الدويري
التاريخ: الجمعة 28-2-2020
الرقم: 17205