«قارئ الحرف متعلم وقارئ الكتب مثقف» مقولة نجيب محفوظ تلك, تُلزمنا بالاعتراف أننا لا نقرأ إلا ما نحن مرغمون به، هجرنا الكتاب، فبتنا جوعى لذلك الرغيف الذي يسد رمق روحنا المتعطشة لقراءة مجدية، هذه المفارقة باتت أكثر من صاخبة في مكتباتنا عموماً والجامعية على وجه الخصوص، فمن أين نبدأ؟!.
من المؤسف أني لم أجد إلا طالبين اثنين يرتادان المكتبة المركزية في جامعة دمشق، من أصل آلاف الطلاب الجامعيين، ومن المؤسف أيضاً ونحن نستدل على مكان المكتبة، قلة قليلة من الطلاب يعرفون أين مكانها وهي على بعد خطوات منهم..!
أما قاعتها الكبيرة التي تتسع لستمئة طالب في حرم المكتبة المركزية في كلية الحقوق، فهي «مهجورة» إلا في حال أوقات الامتحانات أو أثناء مراجعة الطلاب لدروسهم وإلا ننزع عنها صفة إنها «قاعة» تتبع لمكتبة هدفها استقطاب الطلاب للمطالعة الحرة وقراءة الكتب الثقافية.!
صحيفة «الثورة» جالت في أروقة كليات جامعة دمشق واستطلعت آراء طلابها عن أهمية المطالعة في المكتبة الجامعية ومدى استفادتهم منها، وهل غدت القراءة عبئاً عليهم؟ وما هي أكثر الكتب تداولاً بينهم؟ وماذا تقدم المطالعة لهم في مرحلتهم الجامعية؟
رأي
سؤال غثّ اعتبره الطلاب حين وجهناه لهم، هل تقرؤون؟ أجمع معظمهم: «إن قراءة كتبنا الجامعية لاتدع لنا متسعاً من الوقت لقراءة كتب ثقافية، وجملتهم المعتادة «لن تفيدنا في تحصيلنا العلمي!».
بينما تجيب «جومانة محمد» طالبة في السنة الرابعة قسم الحقوق: «أقرأ بشغف وأبحث عن حلول لمشكلاتي، كالكتب المتخصصة بالتنمية الاقتصادية التي تهدف إلى تعليم الادارة وكيفية تحقيق المشاريع الصغيرة والتي استفدت منها في مرحلة ما. في حين تجد مروى نفّاع طالبة في السنة الثالثة قسم اللغة العربية/ كلية الآداب: «أن معظم طلاب الجامعات يقرؤون ويتصفحون الكتب الالكترونية، ويشتركون بمواقع عربية لتحميل الروايات المترجمة والكتب حديثة الإصدار، لذا لا يتحملون عناء الذهاب للمكتبة، التي قد تغدو بعيدة لبعضهم، يؤيدها «عامر علي» طالب في السنة الثانية قسم المعهد الهندسي: «إن الكتب المجانية التي تعرضها الشبكة العنكبوتية متاحة للطلاب أينما وجدوا، لاسيما وأنه استفاد منها وهو مجند رقيب في الخدمة الإلزامية ما سهل عليه قراءة أي كتاب رغب به وهو بعيد عن المكتبة».
«ليست المشكلة في المكتبة الجامعية ولا ماهيتها، وما تضمنته من كتب بل هناك مشكلة في التربية، بعدم تعويدنا ونحن صغار على القراءة كممارسة فعل وحاجة كحاجتنا للطعام والنوم»، هذا ما قالته مها محمد طالبة في السنة الرابعة قسم رياض الأطفال في كلية التربية والتي عزت عزوف أقرانها الجامعيين عن القراءة إلى عدم ترسيخ العادة التي لولاها لما نشأ جيل معافى من الاضطرابات النفسية والسلوكية!.
صرح جامعي مهجور
وللولوج في ماهية المكتبة المركزية التي تضم آلاف المقالات والدراسات ونحو مئة ألف وعاء معلومات، التقينا رحاب الأيوبي مديرة المكتبة المركزية في جامعة دمشق والتي يبلغ عدد مكتباتها الفرعية حوالي36 مكتبة في محافظات دمشق والقنيطرة ودرعا والسويداء، التي أكدت أن العقوبات الاقتصادية وويلات الحرب العدوانية أرخت بظلالها على الكتب أيضاً، فلم ترفد المكتبة بكتب حديثة الاصدار منذ سنوات عدة باستثناء الإهداءات من دور النشر، تالياً، امتناع استيراد الكتب أو تصديرها من الدول العربية بما فيها الكتب العلمية والمجلات الخاصة التي كانت تغني المكتبة المركزية، وعزت الأيوبي تراجع المطالعة بين الطلاب في المكتبة إلى لجوئهم إلى التصفح الالكتروني للكتب القديمة والحديثة منها، مشيرة إلى أن طالبين اثنين هما من يرتادان المكتبة من كل 100 طالب يومياً في جامعة دمشق خلال ثماني سنوات منصرمة!
قراءة إلزامية
وعند سؤالنا عن عدم إتاحة الكتب الالكترونية التي تشترك فيها جامعة دمشق من خلال موقعها الالكتروني للطلاب في مراحلهم الجامعية الأولى، أكدت الأيوبي أنها مخصصة لطلاب الدراسات العليا والباحثين وأساتذة الجامعة فقط وهو أمر معني بمديرية البحث العلمي، وكي لا ننفي صفة القراءة الإلزامية عند طلاب الدراسات والباحثين زرنا مبنى البحث العلمي للحصول على احصائية لمجموع الطلاب الذين يعتمدون على قاعدة البيانات للبحث عن المعلومة التي تخص دراستهم دون الرجوع إلى المكتبة الورقية، التقينا مسؤولة النشر والبحث العلمي «صفاء حربا» التي بينت أهمية قاعدة البيانات في اطلاع طلاب الدراسات العليا على الأبحاث والكتب العلمية والأدبية وحلقات البحث والاعتماد عليها دون الورقي، في حين يطالب بعض الطلاب بفتح المجال لجميع الطلاب بالاشتراك بقاعدة البيانات أسوة بطلاب الدراسات العليا، لكنهم لا يدركون أنها مأجورة بسعر مرتفع لصالح الجامعة، وفقاً لما ذكرته حربا فإن نسبة الطلاب الذين يدخلون قاعدة البيانات لجمع معلوماتهم بلغت عام 2017 نحو 21,260 طالباً وإن تلك الإحصائية تسجل الدخول كل أربع سنوات.
معارض للمطالعة
إذاً، على من يعود هذا التقاعس عن القراءة، إن قلنا إن المكتبات الجامعية فاتحة أبوابها للطلاب، في حين، يتذمر الطلاب الذين التقيناهم من أنه لا يوجد كتب حديثة الإصدار وأنها هرمة ولا تفيدهم في المرحلة الجامعية..! إذا متى يقرؤون وماذا يقتنون من الكتب؟
قد لا تكفي معارض الكتب التي تقام في الحرم الجامعي لتشجيع الطلاب على القراءة، وهو ما جعل معارض فرع اتحاد الكتاب العرب حيوية لا يحكمها الزمن، والأولوية لديه هو نشر الكتاب الثقافي حديث الاصدار، وللولوج في أهمية المعرض تحدثنا مع مسؤول قسم التوزيع والمكلف في تنسيق معارض الاتحاد زياد السودة الذي بين أن تلك المعارض تقدم الكتاب بسعر رمزي وأحياناً مجاناً كي لا نترك للطالب حججا واهية في عدم اقتناء الكتب، وإن معارضنا مستمرة حين تسمح الفرصة للاتحاد بذلك، وعن إقبال الطلاب الجامعيين لنوعية الكتب المنتقاة بيّن السودة أن الكتب المترجمة هي الأكثر مبيعاً ورواجاً لدى طلبة الجامعات حتى في الجامعات الخاصة، من ثم كتب الرواية والشعر والقصة القصيرة.
ماذا تغذي فينا؟
لامسنا ارتفاعاً لطلب الكتب التي تحفز آليات التفكير وتطوير الذات عند الطالب الجامعي، ولا سيما الكتب النفسية التي تلعب على البرمجة اللغوية العصبية، وإن تلك الكتب هي الأكثر اقتناء من رواد المكتبة «وفقاً لما صرحته مديرة المكتبة المركزية في جامعة دمشق.
من هنا لابد من توجيه السؤال لأصحاب الاختصاص» ماذا تغذي الكتب فينا «؟، الدكتورة رشا شعبان استاذة علم النفس في كلية الآداب، ترى أنه من الطبيعي أن يتوجه الطالب إلى الكتب التي تلبي حاجته الفكرية والنفسية والاجتماعية، أو أي كتاب يشعره بالراحة، فالثقافة عند الطالب ليست ترفاً بل حاجة اجتماعية ونفسية ملحّة، وإن عدنا إلى أسباب هجرة الطلاب الجامعيين للمكتبات لأن هذا الشرخ المتواجد سببه منذ الطفولة حين يغدو الطالب بعيداً عن مكتبة المدرسة، لأسباب منها الترهل الواضح في عمل أمناء المكتبات الذين دورهم أساسي في قراءة الكتاب للاطلاع عليه وشرحه للطالب كي تصل الرسالة الثقافية والمعلومة الصحيحة إلى ذهن الطالب..ولكن «ما أنا بقارئ»!، موضحة شعبان أن الثقافة ليست لنخبة المجتمع وحسب، بالرغم من استعراض البعض بامتلاكهم مكتبات تضم مختلف أنواع الكتب ذات القيمة إلا أنها لا تشغل بالهم ولا يعيروها أهمية في القراءة سوى نفض الغبار عنها..! مشدّدة على أهمية القراءة عند الطالب الجامعي فهي تزيد حصيلته اللغوية وترفع نسبة المخزون الثقافي وتزيد ثقته بنفسه، بتقوية الجوانب العقلية والفكرية في شخصيته، وإن النقاش الفعّال مع محيطه، المبني على المصدر الموثوق وهو الكتاب يجعله أكثر قدرة على إقناع الآخرين بوجهة نظره ما يجعله أكثر تميزاً بين الطلاب الذين لا يقرؤون.
رنا سلوم
التاريخ: الأثنين 2 – 3 – 2020
رقم العدد : 17206