وطأة كورونا لم تخفف حدة الاشتباك العسكري والسياسي الذي تدفع به الولايات المتحدة ليبقى حاضراً بقوة على المشهد الدولي ليزيد الأوضاع تعقيداً، ربما لأنها تريده متنفساً لهروبها من حالة العجز المتراكمة التي تصيب أركان إداراتها.. الحكومات الغربية أيضاً تندفع بقوة التحريض الأميركي نحو تسخين الأجواء الدولية لمداراة هزيمتها الناتجة عن مواجهة الفيروس التاجي، فباتت سيناريوهات التصادم ترخي بثقلها على المرحلة القادمة.
الولايات المتحدة على أعتاب انتخابات رئاسية، تبدو فرص ترامب للفوز فيها ضئيلة نظراً لحالة الغضب الشعبي والرسمي الأميركي إزاء سوء إدارته لأزمة كورونا، وتهيئة الأرضية لحروب عدوانية تتيح له إمكانية تأجيل الانتخابات لتمديد ولايته لفترة زمنية غير محددة، في عرف القانون الأميركي قد تكون خيارا يلجأ إليه ترامب للاستمرار في منصبه، وحالة التصعيد ضد دول المنطقة وعلى رأسها محور المقاومة، إضافة إلى الصين وروسيا تشير إلى إمكانية حدوث مثل هذا السيناريو، ولاسيما أن أتباع أميركا وأدواتها في الغرب والمنطقة تعزف بشكل ضمني على هذا الوتر، وكل حسب مصالحه في هذه المرحلة.
سورية لم تكن يوماً خارج دائرة الاستهداف، وهذا الاستهداف يتسع نطاقه اليوم في زمن كورونا، ولا ينفصل عن سياق المخطط الأميركي والغربي المعد للمنطقة بشكل عام، فالإجراءات القسرية أحادية الجانب في تصاعد مستمر، وفضائح منظمة الأسلحة الكيميائية بتزييفها للحقائق لم تردع الغرب للكف عن التشدق بأكذوبة “الكيميائي” ، والتحركات الأميركية المشبوهة في منطقة الجزيرة تزداد وتيرتها على غرار مثيلاتها في العراق، وإرهابيو “النصرة” يواصلون اعتداءاتهم ويعيدون ترتيب صفوفهم بادلب، ونظام المجرم أردوغان ينهمك معهم في إخراج مسرحيات هزلية لإبقاء سيطرتهم على طريق حلب اللاذقية ومنع الدوريات المشتركة من المرور، ومرتزقته بريف الحسكة يصعدون جرائمهم بحق الأهالي، وذلك على وقع الاعتداءات الصهيونية المتواصلة، وكلها مؤشرات تصب في خانة التحضير لعدوان جديد ربما يضع حلفاء سورية في دائرة المواجهة.
استهداف الصين وروسيا بالاتهامات الملفقة، والانسياق الأوروبي وراء التصعيد الأميركي يشير إلى احتمال فتح جبهة مواجهة للهروب من واقع الفشل الغربي في التعامل مع التحديات الكبرى، فعجز أميركا عن مواجهة كورونا أثبت فشلها كقوة عظمى في إدارة الأزمة العالمية، فيما فرضت روسيا والصين مكانتهما الدولية على هذا الصعيد من خلال مسارعتهما لمساعدة الدول المتضررة، الأمر الذي يغضب الإدارة الأميركية ويجعلها تبحث عن كبش فداء تعلق عليه عجزها، وسط مخاوف من أن تدفع التداعيات الخطيرة لانهيار اقتصادات الدول الغربية الكبرى نتيجة سياسات الإغلاق والحجر إلى افتعال حرب عالمية جديدة، والكثير من الخبراء والمراقبين الدوليين بدؤوا يحذرون من هذا السيناريو الكارثي، ومن غير المستبعد أن تكون الولايات المتحدة تهيئ له عبر خطواتها الاستفزازية على أكثر من جبهة دولية.
عدد الوفيات في الولايات المتحدة بسبب كورونا تجاوز الـ 33 ألفاً، ولكن ترامب لا يهتم حتى وإن وصلت إلى مئات الآلاف، فهذا التاجر مشغول مع أركان إدارته بعملية التحضير للانتخابات الرئاسية، حتى أن وزارة الخزانة الأميركية أمرت بطبع اسمه على الشيكات التي تنوي هيئة الإيرادات الداخلية إرسالها إلى عشرات الملايين من الأميركيين المتضررين في محاولة مكشوفة لاستغلال الأزمة لغايات وأهداف انتخابية وشخصية، كما أن أحد مشرعي إدارته وهو النائب الجمهوري عن ولاية إنديانا تيري هولينغزورث لم يخجل بقوله «إن السماح بمقتل المزيد من الأميركيين يعتبر “أهون الشرين” من ضرر الاقتصاد الناجم عن إجراءات العزل»، وهذا يعكس رغبة الرئيس الأميركي بإعادة الاقتصاد المتوقف إلى العمل، الذي أشار بأنه سيكون على مراحل، رغم انتقادات الأميركيين ومخاوفهم من اتساع رقعة انتشار الإصابات والوفيات في صفوفهم، وإذا كانت هذه العقلية المتحكمة في البيت الأبيض لا تستثني الأميركيين أنفسهم من مخاطر السياسة العدوانية التي ينتهجها، فهل نستغرب أن يلجأ ترامب إلى خيار الحروب الخارجية المدمرة من أجل الاستئثار بالحكم فترة أطول؟.
نبض الحدث- ناصر منذر