ثورة أون لاين- هفاف ميهوب:
“آهٍ، ما ذلك السلاحُ الذي يلبسُ المستقبل؟/.. وما ذلك اللون الذي يرسمُ هالة الجنينِ الكوني؟/.. أوه.. متى يَشفى ذلك المرضُ/ الذي يُسمَّى الوطن؟..
ها هو التاريخُ/ حاضرٌ يدبُّ في أكياسٍ من الورق/ في عرباتٍ تجرُّها عظامُ الموتى/.. وأسألكَ ياهذا العالم: أيُّ غناءٍ/ يمكن أن يتصاعد/ من أصدافِ الشِّعر/ غير نواحِ الأثير؟/..
هو نبضُ المفردات المتسربلة بوطنها المسكون بالآلام والمعاناة.. نبضُ شاعرٍ وإن ارتحلَ عن وطنه، إلا أنه ترك فيه بصيرة لا تغادره.. شاعرٌ ومفكر كوني، طرقَ باب الغيبِ شعراً، رجمَ به الحاضر الجاهلي – الظلامي.
إنه “أدونيس” الذي شاء له الترحال أن يعيش متفكّراً وباحثاً عن كلِّ ما يضيءُ ثقافته التي تنوّرت بعد أن تأملت، في العالم الذي جاب أنحاؤه عبر رحلةٍ شعرية قديمة – حديثة في سبرِ أغواره.. رحلةُ الآفاق وصراعاتها، والحياة وتناقضاتها.. الرحلة الطويلة جداً، والتي جعلته يشعر بأنه معرَّفاً بالتيه الذي جسّده شعراً:
“يُهاجر/.. لا ينتمي إلى بلدانٍ، بل إلى تخومٍ/.. والهجرة راية العصر/.. يتشرَّد/.. تلك هي صداقة النُّور/ وخيرٌ لخطواته أن تقتفي الريحَ/ وأن تشكَّ في كلّ عتبةٍ/.. هكذا أسكنُ مترحلاً/.. ناحتاً جغرافيتي بإزميل التيه/ ..
هذا ما شعر به بعد أن جابَ أنحاء العالم فتعلّم، بأن العقل هو من يأمر المفكّر في المنفى: “تنبَّأ أيها الأعمى”.. تعلم أيضاً، كيف يجعل الأعمى يُبصر، وكيف يهدي المبصرين إلى ما يُشعر:
“زمنٌ يتآكلُ ويحدودب/ وما أشقى الإنسان الذي لا يرى أمامه/ كلّما تقدم، إلا القديم/.. أظنّ أن السماء آخذة بالخروج من هيكلها المغلق/ وأن القيد الصغير المسمّى عقلاً/ يكاد ان ينكسر/..
المكانُ بخارُ نفايات/ أشباحٌ تطلع من تجاعيد التراب/ صحراء غاز للغزو/ تمتزج الأدمغة بالنشارة/ تختلط الأجساد بالورق المقوى/ في أوبئةٍ تتفكك تتلاحم/ …. يتنزّه الوقت تحت مجراتِ أسلحةٍ تفجُّ التكوين/ والكون يترهَّل”..
شعرَ بكلّ هذا ومن ثمَّ أشار إلى “صور وصفية لحالاتٍ أملتها نبوءة الأعمى”.. نبوءته بـ “حالة الشاعر” و”حالة المتمرد” و”حالة البريء” و”حالة الضال” و”حالة المفكر” و”حالة الصعلوك” و”حالة السائل” و”حالة الكاتب”:
“يكتبُ الطفل: “صوت المدينة يعلو/ يردّد آهاتها وأناشيدها”.. يكتبُ الشيخ: “آهٍ.. الينابيعُ حمراء في أرضنا”.. يكتب الفقراء: “الفراغ بذارٌ بين أقدامنا”… يكتب الشعراء: “الحبال تجرّ العصافير، مخنوقة حول أعشاشها”. ماذا تكتب الشّمس/ ماذا تقول لأبنائها؟”..
أخيراً يكتب “حالة المنفي” الذي “فرَّ من قومه، عندما قالت الظلمات: أنا أرضه وأنا سرّها”.. كيفَ، ماذا يسمّي بلاداً، لم تعد تنتمي إليه، وليس له غيرها؟”..
يختم بـ “حالة الأمَّة: “أُمَّةٌ غابةٌ، ذبحت طيرها، لترى في دمِّ المذبحة، كيف يجترُّ جسم الطبيعة ذاكرة الأجنحة”..