ثورة أون لاين _ فؤاد مسعد :
كانت الأعمال المُنتجة في مواسم درامية ماضية بشكل عام تعاني ما تعانيه من مشكلات ومصاعب غير خافية على أحد ، ولكن استطاع الممثل أن يقلب المعادلة فيها ويكون حجر الزاوية الذي تستند عليه ، حمل عِبأها وكان شريكاً أساسياً فيها ، أضاف إلى نصٍ يعاني من ترهل هنا وصورة أصابها البهت هناك ، تجاوز هفوات عناصر فنية وإنتاجية شحيحة غير ناضجة بقيت قاصرة على تلبية الحاجة ، فكان بمثابة المنقذ الحقيقي وطوق النجاة ، فرفع من قيمة أعمال بعضها كان أضعف مما ظهرت عليه ، حتى أن مخرجين تركوا العنان للممثل بسبب افتقارهم القدرة على القيادة ، ذلك كله بدا جرعة مضاعفة أظهر من خلالها الممثل ما يمتلك من إبداع وخبرة وقدرة على تجسيد مختلف الشخصيات لأنه مبدع يترك بصمته أينما حل ، وهنا لا نُسقط حق الأعمال الهامة التي برز فيها نجماً ساطعاً ، ولكن ألايزال هذا الكلام ساري المفعول حتى اليوم ؟ سؤال موجع يندرج ضمن سلسلة من الاسئلة الموجعة الأخرى التي تحكي قصة ومسيرة الدراما السورية .
مما لا شك فيه أن الموضوعية تحتم الإشارة إلى الكأس بجزأيه ، الممتلئ والفارغ ، فلا يمكن إجحاف مكانة الممثل السوري وما يمتلكه من قدرات عالية المستوى ولولا هذه القدرات لسقطت العديد من الأعمال اليوم وأمس ، كما أن هناك فنانين كباراً متمسكين إلى وقتنا الحالي بالعادات والتقاليد الإبداعية والإنتاجية في العمل الفني ولا يرضخون للأجواء الإنتاجية العامة ، وفنانين من الشباب الواعد الذين يسعون لإثبات أنفسهم والتأكيد على مكانتهم من خلال مهارات يقدمونها رغم كل الصعوبات ، وهناك فنانون حقيقيون لم نرهم على الشاشة في الموسم الحالي لأنهم رفضوا تقديم التنازلات الإبداعية ، وبالتالي هناك ممثلون قديرون ترجموا مفهومهم للفن كل على طريقته.
ولكن هذا الكلام لا يعني أنه ليس من جزء آخر للكأس ، فلا بد من الإشارة إلى الجزء الفارغ منه والذي يشي بكارثة ، والخوف أن هناك ممثلين بدأ أداؤهم بصاب بالعدوى التي سبق وأصيب بها الإنتاج والنص والإخراج في العديد من الأعمال ، وكأنه انخرط في اللعبة بعد أن اجتهد وعمل ليكون العنصر المختلف فيها ، ففي حين كان يشكل رافعاً لتلك الأعمال بدأت هذه (الرافعة) اليوم بالتساهل والاستكانة للممكن والمُتاح وفق الصيغة الفنية الجاهزة ، والأنكى أن هناك من وقع في مطب نمطية الأداء فتراه في أكثر من مسلسل ولا تستطيع تمييز أدائه بين عمل وآخر لأن الحركة والانفعال وحتى نغمة الصوت هي نفسها بعيداً عن أي اجتهاد ، فحبس نفسه ضمن قمقم ريتم أدوات تعبيرية يكررها بشكل مصطنع دون أية محاولة للبحث عن مفردات جديدة ، لا بل تكاد تقرأ على وجوه البعض أثناء المشهد حالة من الملل وكأنها مهمة أوكلت إليهم وعليهم تأديتها كيفما اتفق معتمدين على رصيد سابق من حب الجمهور ، وبذلك ابتعدوا عن الشغف الذي كان يسكن العديد منهم لصالح أفق أضيق في معناه الإبداعي .
هو كلام مؤلم ، ولكن دافعه الحب والحرص ويعكس في أحد أوجهه الأزمة التي تمر بها الدراما التلفزيونية اليوم ، فلا بد من تعاطي جدي مع العمل الفني من قبل جميع المشاركين فيه ، ويبدو أن الزمن الذي كان فيه الممثل (يرقّع) سقطات العمل الفني قد ولى ، واليوم سيكون شأنه شانه العناصر الأخرى ، وهنا قد لا ألومه إلى حد ما ، فالممثل عندما يجد نصاً هاماً يقف وراءه مخرج يعرف كيف يدير الدفة بدقة وإنتاج قادر على تلبية الاحتياجات ويدرك أن المسلسل يمكن تسويقه وبالتالي تعبه لن يذهب سدى وسيراه أكبر عدد من الجمهور ، عندها لن يقبل الممثل بالتساهل وسيكون على قدر المسؤولية ، وهو الأمر الذي يمكن لأي متابع للمسلسلات ضمن الموسم الدرامي الحالي أن يكتشفه ويدرك أين يقدم الممثل نفسه بالصيغة الأفضل وما المسلسل الذي يظهره نجماً ساطعاً ، وأين يستسهل العملية برمتها .. إننا اليوم بحاجة إلى أعمال هامة بكافة مقوماتها تكرّس الألق الحقيقي لفنانين نحبهم ونحرص أن يكونوا في المقدمة دائماً .