على أكثر من جهة وجبهة واتجاه يبدو ترامب مغرّداً، ومنشغلاً بما لا يمكن للمتابع أن يغضّ الطرف عنه، لكنه سيكون أمام سؤال غريب عجيب: لماذا هذا الصخب بغير وقته ومكانه، بل كيف للإدارة الأميركية التي تعاني من تفجّر المشكلات الداخلية عندها، كيف لها أن تشيح الطرف عنها، هل هو هروب إلى الأمام وقفزة نحو المجهول؟.
بالتأكيد: الأمر هروب من واقع تعرّى وتفسّخ، ولم تعد مساحيق الضخ الإعلامي تنفع معه شيئاً، لذا لا بدّ من حرف الأنظار عن النار التي تشتعل في هشيم المجتمع الأميركي، وهذه بداياتها، قد تنطفئ إلى حين من الزمن، لكن الرماد الذي تخلّفه لم ولن تذروه ريح الانشغال الخارجي المقصود.
ترامب المنشغل بكل ما يضخّ مالاً وربحاً، يظن أن التاريخ الذي صنعه العالم، وحقّق فيه الانتصارات الكبرى يجب أن يجيّر لمصلحة الولايات المتحدة الأميركية، ومع كل ما قامت به هوليود ووسائل الضخ والتضليل الأخرى، ظل العالم وفيّاً للتضحيات الكبرى التي قدّمتها الشعوب المكافحة ضد النازية، والساعة التي كان ترامب ينتظرها ظنّاً منه أن ذاكرة التاريخ وصفحاته دجاجية وقد حان وقت الترويض، أتت حسب اعتقادها، وعلى الجميع أن يسمع مزاميره التي يتلوها ويشرّق فيها ويغرّب، مخترعاً آلاف الأعداء هنا وهناك، انشغال العالم بمواجهة الوباء المستجد، لم يحل دون الانتباه إلى ما تعمل الإدارة الأميركية عليه.
فتاريخ الشعوب ليس قابلاً للترويض، ولا هو ذاكرة دجاجية قصيرة تمحى بجرة قلم وتعديل جيني في مختبر سري، اليوم ومع كل الفضاء الأزرق الذاكرة الغبارية التي تمحوها واشنطن بكبسة زر، ثمة متغيّرات عالمية ترسّخ خط مواجهة الهيمنة والصلف الأميركي، ولا نأتي بجديد إذا ما قلنا إن سورية مع حلفائها، وعلى رأسهم محور المقاومة، هم الصفحة التي تكتب تاريخ اليوم والغد، وتعيد الفرز نحو عالم أكثر أمناً واستقراراً، وهذا ليس ببعيد المنال، بل هو على بعد خطوات، والتاريخ سيشهد أن ما كتب بالبذل والدم لا تستطيع مخابر الكون كلّه تعديله جينيّاً ليكون ذاكرة غبارية، تمحى ويكتب الآخرون ما يريدون.
بقلم أمين التحرير – ديب علي حسن