ثورة أون لاين- سعاد زاهر:
أربعة إخوة…رمت بهم والدتهم المشعوذة في حياة قاسية، امتلأت سنواتها الأولى فقراً… لكنهم نبشوها بأظافر فولاذية، مخلفين أينما حلوا خراباً ودماراً لكل من يقترب أو يتعامل معهم.. إلا إذا كان مركزه مرموقاً.. حينها يتبدل حالهم…!
(حرملك) مسلسسل تعرضه عدة قنوات عربية، بالإضافة الى قناة لنا السورية، لا يمكنك حين تتابعه الا ان تأسرك شخصية “رسلان” التي يؤديها الفنان (أحمد الأحمد).. لمزيجها المميز من فكر وفن، وأداء متقن.
الشخصية صنيعة بيئتها، لا تفلت منها حتى لو أرادت، كما يحاول أن يفعل بين فينة وأخرى عامر الأخ ( قيس شيخ نجيب) أو هاشم (باسم ياخور) الذي تتنازعهما دوافع الخير والشر، دون أن يتمكنا من التغلب على ملامح بيت نمت خيوط بؤسه باكراً، كلما حاولوا التملص منها، غرقوا في شرور بدأت في الجزء الأول من المسلسل وها هي تتابع في جزئه الثاني، من خلال حياكة شخصيات مشوقة، تمكن الكاتب الموهوب (سليمان عبد العزيز) من صياغتها وفق رؤية على ما يبدو أن مستقبلها واضح في ذهنه..
الشخصيات التي تتمشى في أمكنة محدودة، تبدو لنا بخيوطها وملامحها قد وسعت المكان، وأخلت الأجواء لملحمة درامية يتناول الجزء الثاني منها خلفية زمنية، تحاول مقاربة مرحلة انهيار الدولة العثمانية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، و ما رافقها من فساد وتردٍ على الأصعدة كلها… بحيث يمكن اسقاط الحالة التاريخية على فترات زمنية معاصرة.. دون أن يذكرنا العمل أن التاريخ يكرر ذاته..
“حرملك” الذي يخرجه تامر إسحاق، وإن كان قد أفلت ايقاعه في الحلقات الثلاث الأولى، خاصة لمن لم يتابع الجزء الأول… الا أنه سرعان ما بدأت حكايا كل شخصية ودسائسها ومكائدها، تتسق وتتوضح ونفهم تموضعها الحكائي، ضمن السياق العام للمسلسل، لنعيش طيلة الوقت مع تصاعد مشوق في سير حياة وتطور الشخصيات..
العمل يرمي الخيوط على دفعات في وجوهنا.. كل هذه المكائد، الدسائس.. الفساد..النهب..القتل..بالكاد نتمكن من ملاحقة التصاعد الدرامي، التلقائي، بحيث يضمن العمل جذبنا اليه، و الدخول في لعبة درامية لها شرطيتها ومزاجها الخاص الذي لا يتشابه مع أي عمل آخر…!
اللافت في العمل دقة واتقان مختلف محاور شخصية رسلان، حتى اننا في كثير من الحلقات نراها المحرك الرئيسي للأحداث.. ما ان يطل بردائه الكحلي أو الأزرق… حتى يخطف الأنظار باندماجه الكلي مع شخصية مشغولة على الورق بإبداع مكن (الأحمد) من اظهار موهبة استثنائية.
رغم الكاركتر الذي يعتمده الفنان من حيث (انحناءة ظهر، اغماض عينه اليمنى، بحة صوت…) إلا أنه لم يقع في فخ التنميط، بل تابع مع اعتماده على كليشيه الشخصية، التجديد في كل مشهد، يؤديه، كما فعل في مشاجرته مع يغمور (قاسم ملحو) حين كان يعانده على استمرار بيع القروش المغشوشة، محاولاً استمالته بالحسنى تارة، وبالغضب تارة أخرى… أو في مشهد إخفاء صوت ضمير عارف ( اندريه سكاف)…
ربما أطرف ما في شخصية رسلان، المعجونة بنذالة خالصة، والتي لا تترك فرصة إلا وتستغلها..أن كل ما يريده ، يتمكن بحيله ما من تحقيقيه، ولا يعذبه سوى حبه لنرجس، التي هي الأخرى تسبب في أذيتها..
في كل تحولات الشخصية الدرامية وتقلباتها، ومزيجها لا يترك الشخصية تلاعبه، بل هو يتلاعب بها، ويطوعها لخدمة أغراض العمل والتواءاته الكثيرة، ويدخلنا عفوياً في اللعبة، دون أن نتمكن من التنبؤ بجديدها الأدائي، لندرك أننا معه في ملعب درامي يتسع لموهبة تفاجئنا دورياً بشخصيات، كلما توقعنا أنها الأفضل يتركها خلفه..
ولكن مع شخصية رسلان، المكتوبة بشغف وحرفية…لا ندري.. هل سيتمرد ( الأحمد) عليها..أو سيرتهن لها، وستكون لعنة أدائية تربكه..؟!