أبصرت الحكومة العراقية الجديدة النور وبانتظارها عمل شاق وطويل على المستوى الداخلي والإقليمي لمواجهة تحديات انتهاك الجيش الأميركي لضوابط وجوده في العراق ورفضه الانسحاب تنفيذاً لقرار البرلمان العراقي ومحاولاته إحياء تنظيم داعش الإرهابي لاستخدامه كحجة للبقاء في العراق.
في أول تواصل رسمي معلن بين الحكومتين السورية والعراقية الجديدة كان العنوان الأبرز بالنسبة للحكومة السورية هو التنسيق بين البلدين وتعزيز الأمن والاستقرار، خصوصاً التعاون في مواجهة تنظيم داعش الإرهابي، بينما أكد رئيس الوزراء العراقي أن استقرار المنطقة مرهون باستقرار العراق وسورية، وأن العراق حريص على تعافي سورية، الذي سيصب بدوره في مصلحة العراق، وأن طريق الاستقرار المستدام يكون عبر التكامل مع الجيران.
تفاصيل ما ذكر آنفاً في غاية الأهمية وخاصة بالنسبة لبلدين عانيا من الإرهاب ورعاته ولايزالان، ويشكل استئصال هذه الآفة الخطيرة من كليهما العامل الأساسي لينعما بالأمان والاستقرار.
إن تأكيد رئيس الوزراء العراقي على “التكامل مع الجيران لتحقيق الاستقرار المستدام” يحمل بين طياته بعداً استراتيجياً في النظرة إلى العلاقة السورية – العراقية، التي دائماً كانت عرضة للاستهداف الخارجي ومن أعداء البلدين لمنع وصولها إلى التكامل الذي يُمكِّن البلدين من تخطي أهم المشاكل على كل المستويات الاقتصادية والأمنية والسياسية.
من المعلوم بعد انتهاء حقبة العثماني الظلامية، وتقاسم المنطقة بين المستعمرين الجدد آنذاك على أساس اتفاقية سايكس بيكو اشتغل هذا المحور العدواني على منع قيام علاقة الجيران بين العراق وسورية، وافتعلت المشاكل بين البلدين والأزمات والحروب في المنطقة للحيلولة من دون تحقيق التعاون العراقي السوري.
اليوم وفي ظل الواقع المرير الذي يعانيه شعبا البلدين جرّاء العدوان والحصار والإرهاب تبرز الأهمية الإستراتيجية لوضع التعاون العراقي السوري في سُلّم أولويات الحكومتين، والانطلاق من الرفض القاطع لأي تدخل خارجي أو إقليمي في هذا الشأن الداخلي المصيري لكلا الشعبين .
لن تكون معركة حماية سيادة العلاقات السورية – العراقية بالهيّنة أو السهلة في وجود ألد أعدائها على طرفي الحدود بين البلدين ولكن ما يوفره حسن هذه العلاقة يستحق خوض هذه المعركة من دون النظر إلى أثمانها التي لا تقاس بحجم الفوائد الناجمة عن تعزيز وتكامل هذه العلاقات.
يُجمع المسؤولون في كلا البلدين على ضرورة القضاء الكامل على الإرهاب لتحقيق الاستقرار المستدام وفتح الباب العريض أمام العودة الكاملة للعلاقات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وهذا غير كافٍ ويجب أن يكون مقروناً بتوافر الإرادة والإصرار والتصميم إخراج العلاقات السورية العراقية من السياق التي وضعت فيه خلال العقود الماضية.
إن البداية الأساسية لوضع هذه العلاقة في مسارها الصحيح في هذه المرحلة تبدأ من العمل المشترك لضبط الحدود، ويعد إلزام الجيش الأميركي بالتوقف عن استخدام المعابر غير الشرعية للدخول إلى سورية وبالعكس أمراً مهماً جداً، ولا غنى عنه لإفقاد القوات الأميركية إمكانية عرقلة التبادل التجاري بين البلدين والاستمرار بدعم فلول تنظيم داعش على طرفي الحدود.
من المعروف أن الولايات المتحدة لم تنسحب من أي بلد احتلته من تلقاء نفسها بل رغماً عنها، والتجربة الفيتنامية ولاحقاتها كافية ليقتنع من يعول على وهم التصريحات الأميركية بالانسحاب التلقائي.
إن عوامل التلاقي والتعاون العراقي- السوري تكاد لا تعد ولا تحصى وبتعافيها يعم الخير والأمن على البلدين، وخلاف ذلك يزيد الأوضاع تعقيداً وخطورة ويفقدهما مقومات القوة السياسية والاقتصادية التي توفرها هذه العلاقة، ولذلك لا بد من مبادرة الحكومتين والعمل لتحويل العواطف والتاريخ المشترك وأواصر القربى إلى واقع على الأرض، ولتكن البداية بطرد المحتل الأميركي والقضاء على أدواته الإرهابية.
معاً على الطريق- أحمد ضوا