الجائعون يعجزون عن التفكير
إذ سينصب جلّ تفكيرهم على الخبز أولاً.
وبما أن الشعب العربي يعاني الجوع منذ قرون لأسباب كثيرة لا داعي لذكرها في مقالة قد تمرّ بين العشرات ولا يلتفت إليها أحد .وقد تدور دورتها ولا يشعر بها أحد فنحن لا حاجة لنا للكتابة ولا أهمية للقراءة طالما البطون فارغة والجيوب فارغة .ما يؤدي لاحقاً إلى رؤوس , وعقول عاجزة عن رؤية مابين سطور المستقبل .
والمستقبل غائم بالنسبة للبشرية جمعاء
فكيف بمستقبل الأمة العربية التي ضيعت البوصلة من زمان وضيعت الرؤيا وفقدت بصيرة زرقاء اليمامة وصارت تتناحر على ظلالها وكراسيها وخزائن عبيدها . الأخ يقتل أخيه , والابن يتخلى عن أبيه .وهكذا عمّت الفوضى الأخلاقية والإنسانية وصرنا مثل وحوش في غابة الحياة .والحياة ضيقة لا تنتظر حتى المنتصر .فتآكلنا .وتأخرنا وصرنا خلف الأمم بعد أن كنا ( خير أمة أخرجت للناس ).
تحولنا إلى أتباع وإلى دويلات ومحميات وضاعت منا رايتنا ولم نجد من يحضنها بيديه القويتين كما حضنها ( جعفر بن أبي طالب ) بيديه المقطوعتين .
من هذا المنطلق وحرصاً على الراية العربية حتى لا تتحول إلى خيمة للسلاح وكفن للدم , علينا وبكل جرأة أن نستعرض تاريخنا العربي ونعترف أمام الأجيال الجديدة بأن تاريخنا العربي الذي نجله ونقدره ونغفل عن نقاط كثيرة كي لا نشوهه لم يكن كله تاريخاً مضيئاً , منيراً , باهراً يدعو إلى الاعتزاز الدائم به والانحناء له.
لقد آن الأوان ونحن في زمن الجوع والتناحر والقتل والكورونا وتفتيت العالم الذي لم يعد قرية واحدة ولم يكن سابقا .. أن نحاول من جديد قراءة تاريخنا حتى نستخلص منه المستقبل ..لعل وعسى تسير مراكبنا وتجتاز النفق الضيق الذي وضعنا فيه الغرب ولا يريدنا أن نخرج لنظل تابعين, جوعى , منكسرين .. وخاصة أنه لدينا عقدة النقص،أمام الغربي وعدم الثقة بالعقل العربي ولا بالكفاءات العربية , إما العقل الغربي المتنمر .
لا بد من فتح الأوراق القديمة ..والانتباه إلى مواقع الظلام التي تتفشى وتنتشر وتأكل العقول العربية المستقبلية .الكل صار مهيأ للهجرة , ليس من أجل العلم ولا من أجل المعرفة واكتساب الخبرات و من أجل التخلص من الدكتاتوريات الفكرية والعقائدية والدينية والبحث عن الأمان بعد أن صار الذبح على الهوية من أبسط الأمور وأكثرها إشراقا” في العقل العربي الذي يتمثل بتاريخه القديم وبالغزوات الدموية التي أقيمت تحت ستار الجهاد والإيمان.
وللأسف, معظم الجرائم في تاريخنا العربي ارتكبت منذ القديم وحتى الآن تحت شعارات الدين والإيمان والأخلاق الحميدة، فأي إيمان وأي أخلاق حميدة لقاتل ولسارق وأي نضال يرتجى من مظلوم وجائع ومقتول.
إن الراهن العربي الممزق لا يشي بالخروج من خيمة الظلام بسهولة .وليست هناك أي بارقة ضوء حتى للدول النفطية التي تسير مجبرة في ركب الغرب وتحت هيمنة العقل الغربي الذي ينوب عن العقول العربية كلها فيقسم الثروة بينه وبيننا ونحن راضون راضخون وإلا..
إن العقل العربي يحتاج إلى برمجة جديدة .ربما يستطيع التخلص من الإرث المظلم في التاريخ القديم , فنحن أبناء الكورونا .أبناء الوجع الجديد , أبناء المستقبل الجائع الذي سيؤسس لمستقبل منخورلا أعمدة قوية له ولا فرساناً أشداء يدافعون عنه , فالجوع قادم , وما تعانيه سورية وشعبها اليوم ليس سوى عينة صغيرة نقدمها للعالم العربي الذي عليه أن يرى ويتعظ ويبدأ نقلة جديدة في مسار العقل العربي بعيداً عن هيمنة العقل الغربي ورصاصه الفكري القاتل.
وكما تحتاج البيوت إلى ترميم يحتاج العقل العربي إلى ترميم وإصلاح مترافقاً مع نظرة عقلانية وموضوعية لتاريخنا القديم والحديث ومساءلته عن جوعنا وتقسيمنا وتخلفنا والوقوف أمامه بكل موضوعية، كيف وصلنا إلى هنا يا سيدي التاريخ؟.
أنيسة عبود – إضاءات