لم يمت اليسار بكل ما تعنيه العبارة من مفاهيم وقيم ومواقف وأحزاب ونظريات وتجمعات … إلخ .. بل فقد ثقته بمقاومة طغيان الرأسمالية، وجرأته على مقارعتها.. أصيب بالذبول .. واستمر بالتراجع .. وأظهر قناعته بأنه لا بد خاسر ومنزوٍ .. مما جرأ الفكر الرأسمالي المتبجح لأن يصرخ في وجه العالم وليس فقط اليسار العالمي بل بشكل خاص المستضعفين في دول العالم الفقيرة النامية.
إنها نهاية التاريخ؟؟!!..
ولم تكن نهاية التاريخ.. إنما هي فرصة متاحة لأن تكون نهاية الاسترخاء الرأسمالي المحمي بالسلاح والدمار.. على حساب شعوب العالم المستضعفة وفقرائه.
لم يمت اليسار.. لكنه يفتقد غطاء ومبررات العودة إلى الماضي الذي يسميه البعض الزمن الجميل..
لا عودة للماضي .. أبداً .. لكن ..لا انقطاع معه .. فهل ثمة من يرى أن التجربة اليسارية في العالم استهلكت كل نظريات الثقافة اليسارية .. بشكل خاص منها الماركسية.. ؟!
لا ..
إنها ليست الدعوة لذاك الهوى الجامح الكسول في الماركسية .. القضية أكثر بكثير .. وأكبر ..وأهم .. من أن نغني مع الرفاق للراية الحمراء والرفيق الشهيد..!! ونقرأ كتب ماركس ولينين لممارسة الثورة الداخلية الروحية… ولا مبرر أبداً لاستنباط حلول للمستقبل مما وضع في الماضي.. أبداً.. إنما هي الدعوة لاستلهام الظروف الراهنة الحالية في العالم .. لإعادة وضع النظرية والأيديولوجيا لزمن ما بعد الوباء .. وليس إلى الأبد .. كما كان الحال في الدعوة للماركسية اللينينية .. أحدهما أو كلاهما .. وغيرهما أيضاً ..
بعد السقوط الشنيع لنظرية “نهاية التاريخ” يفتح الوباء الباب على مصراعيه لإعادة بناء التاريخ ..
مهم جداً ما أظهره الوباء من ضعف في:
أولاً – الحالة الحياتية لسكان الأرض ..
ثانياً – الوضع الحقيقي لصحة البشر والتوظيفات العلمية والاقتصادية فيها ..
ثالثاً – الواقع القائم للرأسمالية العالمية .. بما أوصلها إلى شبه الانهيار ..
أقول الوباء ولا أحصر كلامي بـ كورونا .. القضية أكبر من كورونا .. كورونا فقط أظهر حالة الضعف المذهلة في العالم في مقاومة حالة الوباء كورونا أو غيره ..
اليوم يعاد تشكيل العالم على أساس دوله .. وكل ما يشبه العولمة، ينحسر .. وتقف البشرية مشدوهة بأناشيد السيد ترامب في مقاومته “مقاومة الرأسمالية العالمية” .. عبر هجاء الصين ومنظمة الصحة العالمية وروسيا وكذا أوروبا .. لأنهم جميعاً لم يخبروه .. بـ كورونا .. هكذا يدعي ..
هذا لا يعني أن الفرصة المتاحة هي لحمل سكاكين يسارية و ذبح بقرة الرأسمالية المريضة !! أبداً ..
بل هو نداء للفكر للعمل على رسم طريق و تصميم بيئة لإعادة بناء العالم المهدد بأكثر من وباء …
تحية لروح الأديب الكبير الراحل هاني الراهب .. صاحب ملحمة الوباء الروائية ..
أسعد عبود – معا على الطريق