ثورة أون لاين:
ربما لابد من الإشارة أولا إلى أن الحداثة في اي لون من ألوان الابداع لا تقترن بزمن محدد فربما كان ابو تمام اكثر حداثة وقدرة على ابتكار الدهشة والجدل من كثيرين ممن يكتبون الان.
وبالتالي ليس كل من يكتب اليوم يمتلك الحداثة أو ما بعدها..
بحثا وتنقيبا بتاريخ الشعر العربي خلال مئة علم يأتي كتاب ..العصر الجديد الشعر العربي في مئة عام ..نشأة المجموعة الشعرية ..نشأة قصيدة النثر..
وهو من تأليف الاستاذين علم الدين عبد اللطيف ..واياس احمد حسن ..وقد صدر في طرطوس عن دار أرواد.
الكتاب رحلة بحث و تنقيب في قرن هو من اخصب القرون العربية إنتاجا معرفيا وابداعا وايضا تصدعات كبرى في كل الاتجاهات..
وبالتالي هذا يعني أن المهمة شاقة ومضنية ولكن الباحثين قد نجحا بتقديم حفريات معرفية بخطوط عريضة احيانا وتفصيلية احيانا أخرى مدعومة بالشواهد والوثائق من خلال المطبوعات التي صدرت بتلك المرحلة وهي نادرة الان، لكنها كانت حاضرة في البحث.
وربما يمكن المتابع أن يسأل :لماذا العنوان :العصر الجديد ..وليس الجديد أو التجديد خلال مئة عام ..إذ ظل العام الجديد عالقا بفراغ التوهم ..إذ ربما كان من الأفضل لو تم تقديم الشعر العربي في مئة عام على العنوان الأول..
اما العنوانان المطروحان للبحث فهما فعلا بحاجة إلى هذا الجهد المبذول ..
نشأة المجموعة الشعرية..
يتناول اياس حسن هذا العنوان المهم منقبا وباحثا عن الجذور التي نبتت لتشتد وتصبح اليوم مجموعات ودواوين تحمل هويتها ..وهذا يدخل في عتبات النصوص التي تضمها مجموعات شعرية
يرى اياس حسن أن للمعري الفضل في ذلك وربما كان فقده البصر هو الذي جعله يصنع دواوينه ويقدمها إذ كان الامر سابقا من خلال رواية الشعر فلكل شاعر راوية وبذلك خلد الشعر..
اما المعري فقد قرر أن يكون شعره مدونا بالكتابة وليس من خلال الصدور ووضع العناوين ..ويتابع حسن برحلة بحث مهمة تطور هذا الأمر وصولا إلى الطباعة التي جعلت الدواوين المعنونة واقعا وحقيقة ..وربما تكون هذه الرحلة المعرفية في تتبع نشأة المجموعة الشعرية هي الأولى من نوعها في الدراسات والحفريات النقدية..
اما الجزء الثاني من الكتاب فقد كتبه الأستاذ والشاعر علم الدين عبد اللطيف وفيه ايضا بحث وتنقيب عن مسارات وتحولات القصيدة الجديدة التي هي مرة الشعر الحر..وتارة أخرى قصيدة التفعيلة أو الشعر المنطلق ..
يحدد الباحث بدايات النضج أو ما قبل النضج مع نازك الملائكة في قصيدة الكوليرا ..لكن لابد من الإشارة ايضا إلى أن الخروج على التفعيلة كان قبل أكثر من ألف سنة ..هل نذكر قول أبي العتاهية انا اكبر من العروض ..وكذلك الموشحات الأندلسية وكيف كسرت رتم العروض..
اما في بدايات القرن الماضي فثمة شاعر سوري مهم جدا اسمه خليل شيبوب سبق نازك الملائكة ..وقد أصدرت الهيئة العامة السورية للكتاب ديوانا له منذ عدة أعوام..
كما يمكن الإشارة إلى أن جبران خليل جبران خرج على الوزن في بعض قصائده..
ومن ثم جاءت نازك الملائكة ومن بعدها كثيرون..
ويقدم عبد اللطيف قراءة مهمة ومعمقة في نشأة قصيدة النثر ومرجعياتها الغربية ولاسيما الفرنسية مع سوزان برنار في اطروحتها للدكتوراه والتي حملت عنوان : قصيدة النثر من بودلير حتى الوقت الراهن ..وتحولت الرسالة إلى بيان عملي للشعراء الذين مشوا في موكب تشعير النثر..
واليوم قد نضجت قصيدة النثر بل أثمرت أبناء شرعيين وغير شرعيين ..فسنجد اليوم الومضة الشعرية والدفقة التي ربما تذكرنا بالنثر الفني الذي ازدهر في العصر العباسي وتوقف عنده الراحل شوقي ضيف مطولا في كتبه.
ويشير عبد اللطيف استنادا إلى رفعت سلام إلى أن ادونيس يكون هو أول من أقترح مصطلح قصيدة النثر لأول مرة في الفضاء الشعري العربي ويحدد بعد ذلك الخصائص التي يجب أن تتوفر فيها والتمايز بينها وبين النثر..فهي يجب أن تكون:
_صادرة عن إرادة بناء تنظيم ووعي وتكون كلا عضويا مستقلا..
_هي بناء فني متميز فلا غاية لها خارج ذاتها ..
_الوحدة والكثافة ..ان تتجنب الاستطرادات والايضاح والشرح..
ويرى عبد اللطيف أن هذه المحددات تتوافق مع ما قدمته برنار ..وقد تبناها ايضا انسي الحاج ..
بعد هذا التحديد يبحث عبد اللطيف في بعض الجذور لها في مصر وسورية إلى أن يصل إلى ما هي عليه اليوم منتقيا مجموعة نصوص لشعراء وشاعرات من سورية ومصر..
خلاصة القول ..الكتاب بحث مهم يغطي مساحة كبيرة من عناوين لم يشتغل عليها النقاد والمتابعون لحركة الشعر العربي جديدا ومتجددا وبهذا يقدم الباحثان اضاءات مهمة وزادا معرفيا لكل من يريد أن يبحث في تاريخ الشعر العربي خلال قرن مضى.