أميركا الغارقة بفضائحها السياسية والعنصرية تفرغ كل سموم حقدها وإرهابها في إجرائها العدواني “قيصر” بمشاركة أوروبية، مجلس حقوق الإنسان يدين العنصرية الممنهجة والعنف الأمني من دون الإشارة إلى الولايات المتحدة، الصين وروسيا وإيران في دائرة الاستهداف الأميركي والأوروبي المتصاعد، القارة العجوز تثبت عجزها الكامل عن الخروج من تحت العباءة الأميركية وتتحول إلى ما يشبه العبد الذي ينفذ أوامر سيده خوفاً من العقاب.. هذا المشهد من الأحداث يعطي صورة واضحة عن الترابط العضوي بين واشنطن المتسلطة، وأوروبا التابعة مسلوبة الإرادة، ويرتبط بالكثير من جزئياته بالنزعة الأميركية لتكريس سياسة المحاور الدولية لضمان استمرار هيمنتها التي تتآكل، الأمر الذي يعني دخول العالم برمته مرحلة حساسة وأشد خطورة، وخاصة أن ترامب يريد إنقاذ نفسه من شبح الخسارة في الانتخابات القادمة بأي ثمن كان، حتى ولو بجر العالم نحو حروب كارثية، وبولتون فضح هذا الجانب من شخصية الرئيس الأميركي.
الولايات المتحدة تحاول فرض قواعدها السياسية استناداً إلى قوتها الغاشمة المفرطة، وأوروبا ثبتت تموضعها في خندق التبعية العمياء بسبب افتقادها للاستقلالية باتخاذ القرار السياسي، ويتضح من هذا الانصهار الكامل في المواقف مع أميركا، إضافة للكيان الصهيوني تجاه الملفات الدولية الأكثر سخونة بأن هذا المحور تمليه رغبة جامحة في توتير الأوضاع وفقاً لما تقتضيه المصلحة الأميركية فقط، حتى وإن تعارض ذلك مع المصالح الأوروبية نفسها، وهذا يتضح من خلال الشراكة الكاملة في الحرب الإرهابية على سورية بكافة أوجهها العسكرية والسياسية والاقتصادية، والتي تستكملها أميركا اليوم بما يسمى “قانون قيصر”، حيث الأهداف الأميركية واضحة لجهة محاولة إخضاع سورية لتمرير مخططها التقسيمي في المنطقة وفرض “صفقة القرن المشؤومة”، فيما الدول الأوروبية مجرد منفذ للسياسات الأميركية، وكل تداعيات الحرب الحاصلة هي ضد مصالحها لأنها الأقرب للمنطقة جغرافياً وسياسياً، وبحال كتب للمشروع الصهيوأميركي النجاح -وهذا غير وارد على الإطلاق- فإنها لن تحصل سوى على الفتات الذي يرميه الأميركي بوجهها.
إعادة تسخين الملف النووي الإيراني يعطي مؤشرات أخرى لنية إدارة ترامب بتصعيد الأوضاع في المنطقة، والانصياع الأوروبي للرغبة الأميركية تلك بدا واضحاً من خلال تبني الوكالة الدولية للطاقة الذرية مشروع قرار عدائي قدمته فرنسا وبريطانيا وألمانيا نيابة عن أميركا والكيان الصهيوني، وهذا يثبت زيف كل الادعاءات الأوروبية بالحفاظ على الاتفاق النووي، ولاسيما أنها لم تلتزم بأي من تعهداتها خلال سلسلة المفاوضات التي تلت الانسحاب الأميركي من الاتفاق، ما يوحي بأن هذا السيناريو متفق عليه منذ البداية لحين خلق الظروف المناسبة للتنصل من الاتفاق، والعودة إلى أجواء الحرب الباردة مع إيران، وربما يجري الإعداد لها لأن تكون ساخنة.
التهديد الأميركي للصين يأخذ منحى تصاعدياً في ظل الانقسامات الداخلية المتفاقمة التي تشهدها الولايات المتحدة على وقع الفضائح السياسية المتوالية التي يكشفها المسؤولون الأميركيون، وقد يكون التصادم العسكري خيار وارد لترامب للهروب من سلسلة الأزمات التي ولدتها سياسته الهوجاء، وأوروبا تتجه للاصطفاف في الخندق الأميركي بحكم ارتهانها لقرارات البيت الأبيض، وهذا بومبيو يوجه لقادتها إنذارات مبطنة للكف عن التعامل معها وقال لهم: «آمل أن أسمع المزيد من التصريحات العلنية من أوروبا بشأن التحدي الصيني»، علماً أن الأوروبيين استبقوا تحذير بومبيو بمهاجمة الصين عبر بوابة هونغ كونغ، حتى إنهم اتهموها باستغلال كورونا، رغم أنهم كانوا أكثر المستفيدين من مساعداتها التي رفضت واشنطن تزويدهم بها.
أوروبا الجاحدة تكمل مشهد العداء الأميركي العنصري، وباتت أداة رئيسية في منظومة الإرهاب الأميركي الذي يهدد العالم بأسره، جعلت من نفسها مداساً للغطرسة الأميركية، وتناصب العداء لكل من يخالف سياسات واشنطن، حتى روسيا لم تستثنها من استفزازاتها العمياء، فقط لأن أميركا تريد ذلك، وحالت دون الإشارة للولايات المتحدة في قرار إدانة العنصرية الذي تبناه مجلس حقوق الإنسان، ولكن ذلك لا يعني على الإطلاق تبرئة أميركا وأوروبا، فهو إدانة مباشرة لكلتيهما في آن واحد، لأنهما تشكلان رأس العنصرية والإرهاب في العالم.
نبض الحدث- بقلم أمين التحرير ناصر منذر