ثورة أون لاين-منهل إبراهيم:
ارتكبت القوات الأميركية جرائم حرب في أوقات متعددة ومحددة في تاريخها.. أغلبية هذه الجرائم تندرج تحت قوانين المحكمة الجنائية الدولية واتفاقيات جنيف وقوانين الحرب الموجودة في القانون الدولي.. ويمكن ملاحقة جرائم الحرب من خلال قانون جرائم الحرب لعام 1996 في الولايات المتحدة.. لكن حكومة الولايات المتحدة لا تقبل بسلطة المحكمة الجنائية الدولية على قواتها العسكرية.
موقع (ويكيليكس) نشر عام 2010 بإجمالي 91 ألف وثيقة عسكرية سرية يرجع بعضها للعام 2004، تكشف الفشل الأميركي في العراق وما وصفه الموقع بجرائم حربٍ ارتكبتها القوات الأميركية على الأراضي الأفغانية.
رصدت الوثائق المسرّبة تجاوزات قامت بها القوات الأميركية بصورة متكرّرة بحقّ مدنيين عُزّل، وأشارت صحيفة الغارديان التي اطلعت على نسخة من الوثائق إلى أن العديد من الوقائع والتجاوزات قامت بها قوات الجيش الأميركي، منها قيام قوات المارينز (مشاة البحرية) بإطلاق النار العشوائي بالقرب من جلاد آباد، ما أودى بحياة 19 مواطناً أعزل، بينما أُصيب نحو 50 آخرين.
وزارة الحرب الأميركية أكدت صحة التسريبات، على لسان متحدثها الرسمي لحظتها جيوف موريل ووعدت بفتح تحقيق للوقوف على خلفية التسريب الهائل، ومنع حدوث أي حوادث مشابهة بحق أوراق عسكرية، يُفترض أنها سرية، وقد تُعرّض حياة الكثيرين للخطر، لكنها منيت بأكبر عملية تسريب معلومات عسكرية في التاريخ بُعيد الواقعة الأولى، 400 ألف وثيقة، هذه المرة عن جرائم القوات الأميركية على الأراضي العراقية.
مبانٍ عالية اجتُثت من فوق الأرض فقط لأن قناصاً واحداً يعتليها، في أسوأ قواعد اشتباك في العالم، وهذه قطرة من فيض ما فعلته القوات الأميركية في العراق وسلطت ويكيليكس عليه الضوء.. بالإشارة إلى أن عدد ضحايا القوات الأميركية في العراق بين عامي 2004 و 2009 بلغ خمس أضعاف نظرائهم في أفغانستان، 109 آلاف عملية قتل موثقة قامت بها القوات الأميركية في العراق في هذه الفترة مقابل 20 ألفاً في أفغانستان.
وفي تقرير لـ(نيويورك تايمز) حينها مرده وثائق ويكيليكس المسربة، فإن القوات الأميركية صباح أحد أيام الاثنين قامت بتجريف حافلة ركاب مدنية كبيرة وأمطرتها بوابل من الرصاص في إحدى نقاط التفتيش بالقرب من مدينة قندهار ما أشعل تظاهرات كبيرة مناوئة للتجاوزات الأمريكية في المدينة.
ويبدو أن التنمر الأمريكي على العالم، والذي أخذ أشكالاً في غاية البلطجة في عهد الرئيس الأميركي الحالي دونالد ترامب، بات يثير قلق حتى الدول التي تعتبر نفسها حليفة تقليدية لأميركا، وذلك بعد أن دافع أكثر من نصف الدول الأعضاء في المحكمة الجنائية الدولية عن المحكمة إزاء التهديدات الأميركية بفرض عقوبات على موظفيها لمنعهم من التحقيق في الجرائم التي ارتكبها الجيش الأميركي في أفغانستان.
تأييد أغلب أعضاء المحكمة الجنائية الدولية للبيان المشترك الذي صاغته كوستاريكا وسويسرا دفاعاً عن المحكمة الدائمة الوحيدة لجرائم الحرب في العالم، يعتبر رداً دبلوماسياً قوياً على التمرد والتنمر الأميركي على القانون الدولي، وهو رد ما كانت تتوقعه إدارة ترامب التي تمادت وبشكل هستيري في استخدام سلاح الضغوط الاقتصادية حتى على المنظمات الدولية.
ترامب وفي محاولة لسد الطريق أمام تحقيق المحكمة الجنائية الدولية بجرائم أميركا في أفغانستان وجرائم الكيان الإسرائيلي في فلسطين، سارع قبل أسبوعين إلى التوقيع على أمر تنفيذي يجيز تجميد الأصول وفرض قيود على سفر موظفي المحكمة الجنائية الدولية المشاركين في التحقيق في هذه الجرائم.
مدير برنامج العدالة الدولية في منظمة هيومن رايتس ووتش ريتشارد ديكر أكد أن البيان المشترك للمحكمة الجنائية الدولية يبعث برسالة حاسمة مفادها أن الدول الأعضاء في المحكمة تدعم المحكمة ولن تتراجع عن التزامها ، وأن الدول الأعضاء في المحكمة على مستوى العالم ، بما في ذلك الحلفاء الرئيسيين للولايات المتحدة، تتحدث بصوت مرتفع.
الصفعة التي تلقاها ترامب من المحكمة الجنائية الدولية، لن تكون الأخيرة وقد تتوالى الصفعات بعد ذلك ولا سيما بعد قطعه التمويل عن منظمة الصحة العالمية في الوقت الذي تحارب فيه وباء كورونا، بهدف تحميلها إخفاقات إدارته في مكافحة الوباء، وكذلك بعد قطعه تمويل الأونروا بهدف تجويع الفلسطينيين، وفرض حصارات ظالمة على شعوب العالم، لمجرد أنها رفضت أن تدخل إلى بيت الطاعة الأميركي.
وقضت المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي بفتح تحقيق في انتهاكات أميركا في أفغانستان، وهو ما يشمل التحقيق في انتهاكات من قبل قوات أميركية هناك.. وكان ترامب قد رفض أي محاولات لإخضاع الأميركيين أو حلفائهم للمحاكمة الجنائية.