ثورة أون لاين: تواجه وسائل الاعلام بشكل عام والعربية منها على وجه الخصوص تحديات غير مسبوقة في سعيها لمواكبة التطورات الحاصلة على المستوى العالمي و تسجيل حضورا لها في المشهد الاعلامي العام في ظل عولمة اعلامية غير مسبوقة وفضاء اعلامي مفتوح اصبح فيه الحديث عن فضاء وطني خالص مجرد حديث ذكريات .
ولعل ابرز هذه التحديات تحدي استعادة الجمهور الذي افتقدت قطاعات واسعة منه بسبب الاداء النمطي الذي اعتاده وتكريسها صورة انها اعلام سلطة لا اعلام دولة تخاطب جماعة سياسية او حزبية في احسن الاحوال مبتعدة عن القاعدة الاجتماعية التي يفترض انها تخاطبها وتتفاعل مع احتياجاتها ورغباتها ما جعلهاخارج دائرة التأثير الفعلي في وعيها ونمط ثقافتها وسلوكها .
اما التحدي الاخر فيتمثل في قدرة وسائل الاعلام العربية التعاطي مع ما هو حاصل في البيئة الاعلامية الدولية وبروز ظاهرة الاعلام الالكتروني وشبكات التواصل الاجتماعي وما لها من تأثير واضح في بث الاخبار والمعلومات وتقديم المحتوى الجديد وهنا يكمن التحدي في القدرة على ايجاد الية تعاون بين شبكات التواصل الاجتماعي ووسائل الاعلام الرسمي سواء كانت مقروءة او مسموعة او مرئية بحيث تشكل شبكات التواصل احد مصادر المنتج الاعلامي لوسائل الاعلام الرسمي كمحتوى وحامل لها بسبب انتشارها الواسع وسرعة تعاطيها مع الحدث الساخن في مكان حدوثه وهذا يستوجب حتما التحقق والثقة من جهة المصدر .
لقد اصبح المجتمع في ظل تنامي دور شبكات التواصل الاجتماعي هو المرسل والمتلقي في آن معا وهنا تبدواهمية الاعتماد عليه كعنصر اساسي في صياغة المضمون والمحتوى من خلال التفاعل مع قضاياه ومشاكله ورغباته ومراعاة واحترام منظومته الثقافية والاخلاقية والقيمية في اطار الحرص على اكتساب قاعدة واسعة تتفاعل بشكل ايجابي مع الوسيلة الاعلامية
التي اصبحت تقدم خدمة عمومية لها سوقها والياتها وخطابها .
ان التقسيم التقليدي لوسائل الاعلام بين خاص وعام لم يعدكافيا فالتداخل اصبح واضحا بين المنظومتين في ظل الثورة المعرفية والتقانية وهنا يمكننا الحديث عن اعلام تقليدي واعلام حديث اعلام يتبنى خطاب واليات وتقانة وكوادر تقليدية اصبحت من الماضي واعلام حديث بخطابه وتقانته والياته وكوادره وهنا يصبح السؤال هل المطلوب هو نسف كل ما هو قائم ؟ ام تجديده ورفع مهارته وتقانته وضخ دماء واليات تفكير جديدة فيه ؟ لا شك ان الموضوعية ومنطق الاشياء والواقعية تدفع بالخيار الثاني وهو الاتجاه الذي جرت عليه او بدأت تتلمس خيوطه الاولى بعض وسائل الاعلام الرسمية في الدول العربية ولا شك انها حققت بعض النجاحات ودخلت في دائرة المنافسة الاعلامية مستعيدة حيزا هاما من جمهورها الذي افتقدته لصالح وسائل اعلام اقل ما يقال عنها انها تحركت في مناطق فراغ الاعلام الرسمي العربي واستغلت نقاط ضعفه لتكون عناصر قوة لها ما مكنهااكتساب جمهور واسع يتوق للكلمة الصادقة والحدث الساخن والحي والمتعطش للحرية والاستماع للرأي والرأي الآخر.
ان السرعة في نقل الخبر على اهميته – وهو ما يميز وسائل الاعلام الحديثة – لم يعد كافيا لاكتساب ثقة الجمهور واهتماهه بقدر مصداقية المضمون وموضوعيته وهنا تأتي اهمية التدقيق في المحتوى الاعلامي وتوخي الصدقية فيه من باب الحرص على سمعة ومهنية الوسيلة الاعلامية واحترام وعي الناس وقبل ذلك احترام الحقيقة التي تعنون اغلب وسائل الاعلام نفسها بها .
ولاشك ان الحديث عن الرقابة الاعلامية يحتاج الى مقاربة جديدة فالرقابة هي ما يفترض ان تحدده نصوص قانونية واضحة تتقيد بمضامينها كافة وسائل الاعلام والثقافة والنشر وغيرها من منابر انطلاقا من الحرص على نسق القيم الاجتماعية والاخلاقية والحفاظ على النظام العام في المجتمع فهي بهذا المعنى لا تشكل قيدا على حرية الكلمة والرأي بقدر ما ضرورة اخلاقية وواجب اجتماعي واطار عام تحدده جماعة سياسية منسجمة حضاريا وثقافيا وقيميا، من هنا تكتسب الرقابة مفهوما مجتمعيا بحيث يتحول الضمير الاجتماعي الى رقيب على الوسيلة الاعلامية والاعلامي وتتمثل العقوبة بهذا المعنى بالقطيعة الواسعة معها ما يعني افتقادها لجمهورها ومشاهديها ومتابعيها وهذا يعني انهااصبحت تعيش حالة انعدام الوزن والتأثير والفاعلية والوظيفة و خروجها من سوق التداول الاعلامي ما يشكل مقتل الوسيلة الاعلامية سواء كانت مسموعة او مقروءة او مرئية .
د. خلف المفتاح