ما يفعلُهُ الغناء

لن أحدّثكم عَمّا يفعلُهُ الغناء اليوم في النفوس، بل في كل شيءٍ حَيٍّ من حولنا، فاليوم ارتقت الموسيقا كثيراً، بآلاتها المختلفة، المتعدّدة، وارتقى الغناءُ، وأصبحت له مدارس ومعاهد… لكنني سأعودُ بكم نحو 1220 عاماً، إلى زمنِ هارون الرشيد، إلى حادثةٍ غريبةٍ طريفة، رواها أبو الفرج الأصفهاني في الجزء التاسعِ مِنْ كتابه الشهير “الأغاني”، ورواها ابن حمدون في “التذكرة الحمدونيّة”.
تقولُ الحادثةُ إنَّ إبراهيمَ الموصِليّ غنّى هارونَ الرشيدَ في شِعر هلال بن الأسعر المازني:
يا رَبْعَ سلمى لقدْ هيّجتَ لي طَرَبا زدتَ الفؤادَ على عِلَّاتِهِ وَصَبا
ربعٌ تبدَّلَ مِمّن كانَ يسكُنُهُ عفرَ الظباءِ وظلماناً بهِ عُصبا
فأُعجِبَ الرشيد وطربَ، فقال له إبراهيم: يا أميرَ المؤمنين، كيفَ لو سمعتَ هذا الصوت من عبدكَ مُخارق، فإنّه أخذهُ عني، وهو يَفْضُلُ فيهِ الخلقَ جميعاً ويفضلني؟ فأمرَ الرشيدُ بإحضارِ مُخارق، فأُحضِر، فقال له: غنّني: “يا ربعَ سلمى لَقَدْ هيجت لي طربا”، فغنّاهُ إياه، فبكى الخليفةُ وقال: سَلْ حاجَتَك. قال مخارقُ: يُعتقني أميرُ المؤمنين من الرّقِّ ويُشرِّفني بولائه، أعتقكَ اللهُ من النار. قال الرشيد: فأنتَ حُرٌّ لوجهِ اللهِ، أعد الصوتَ، فأعادَهُ المغنّي، فبكى الرشيد وقال: سَلْ حاجتك، فقال مُخارق: حاجتي يا أمير المؤمنين ضيعةٌ تُقيمُني غَلَّتُها، فقالَ الرشيد: قدْ أمرتُ لك بها، أعد الصوتَ، فأعادَهُ. فبكى وقال له: سَلْ حاجتك. فقالَ مُخارق: يأمُرُ لي أميرُ المؤمنين بمنزلٍ وفرشٍ وما يُصْلِحُهُ وخادمٌ فيهِ، قال الرشيد: ذلكَ لك، أعِدْهُ، فأعادَهُ، فبكى وقال: سَلْ حاجتك، فقال مُخارق: حاجتي يا أمير المؤمنين أن يطيلَ اللهُ بقاءَك ويديمَ عِزّك، ويجَعلُني من كلِ سوءٍ فداءَك.
فكانَ الغناءُ هو سبب عَتْقِ مُخارق، الذي ظَلّ يردِّدُ طوال عُمره: أنا عتيقُ هذا الصوت.
لا أحد عَلِمَ يومذاك أو يعلمُ اليوم ما الذي دارَ في خلد الرشيد سَاعةَ كانَ يسمع غناء مخارق، ما دفعه إلى ذلك البكاء المُتكرّر، وإلى ذلك الكرم على عبدهِ مُخارق، لكنَّ روعةَ صوت المغنّي وجمالَهُ كما ذَكَرَ إبراهيم الموصليّ أستاذ الغناء يومها تكمُنُ من جهةٍ وراءَ ذلك، ومن جهةٍ أخرى يبدو لي أنَّ جمالَ الشعِرِ وما ذَكّرَ بهِ من تبدّلِ الأحوالِ من حالٍ إلى حال، وزوالِ المسرّات، وفراقِ الأحبّةِ والناس عموماً بعضهم بعضاً، وهو ما رسمَهُ البيتُ الثاني بألم، هو السببُ الآخر في بكاء الرشيد… والرشيدُ في نهايةِ المطافِ ابن بادية يجرحُهُ ويؤلمُهُ أن يرى مضاربَ أهلِهِ أو أقربائِهِ وقد خلت منهم، وهاهي ذي الغزلان وذكور النعام تسرح فيها وتمرح… وختاماً: للهِ در الغناءِ، والموسيقا… ما الذي يفعلانِهِ حتى في نفوسِ الجبابرةِ وقُساةِ الناس!.

 إضاءات- د. ثائر زين الدين

آخر الأخبار
الدفاع المدني السوري.. استجابة شاملة لسلامة الأهالي خلال العيد دمشق منفتحة على التعاون مع "الطاقة الذرية" والوكالة مستعدة لتعاون نووي سلمي حركة تسوق نشطة في أسواق السويداء وانخفاض بأسعار السلع معوقات تواجه الواقع التربوي والتعليمي في السلمية وريفها افتتاح مخبز الكرامة 2 باللاذقية بطاقة إنتاجية تصل لعشرة أطنان يومياً قوانين التغيير.. هل تعزز جودة الحياة بالرضا والاستقرار..؟ المنتجات منتهية الصلاحية تحت المجهر... والمطالبة برقابة صارمة على الواردات الصين تدخل الاستثمار الصناعي في سوريا عبر عدرا وحسياء منغصات تعكر فرحة الأطفال والأهل بالعيد تسويق 564 طن قمح في درعا أردوغان: ستنعم سوريا بالسلام الدائم بدعم من الدول الشقيقة تعزيز معرفة ومهارات ٤٠٠ جامعي بالأمن السيبراني ضيافة العيد خجولة.. تجاوزات تشهدها الأسواق.. وحلويات البسطات أكثر رأفة عيد الأضحى في فرنسا.. عيد النصر السوري قراءة حقوقية في التدخل الإسرائيلي في سوريا ما بعد الأسد ومسؤولية الحكومة الانتقالية "الثورة" تشارك "حماية المستهلك" في جولة على أسواق دمشق مخالفات سعرية وحركة بيع خفيفة  تسوق محدود عشية العيد بحلب.. إقبال على الضيافة وتراجع في الألبسة منع الدراجات النارية بحلب.. يثير جدلاً بين مؤيد ومعارض! توزيع مستلزمات لإيواء 350 أسرة عائدة إلى القنيطرة١ أهالي حلب يستعيدون الأمل.. بدء منح رخص الترميم وإحياء الأبنية المتضررة