من يتابع سلوك واشنطن في العالم ويتتبع هزات عصاها الغليظة يظن أن كل شيء في داخلها على ما يرام.. بل يكاد يقول ما أروع العيش في بلاد العم سام، وكما القول العامي.. لا هم ولا غم وكل شيء على ما يرام.. وربما يشط به الخيال ليظن أنها الفردوس الموعود..
ولكن صدمة الواقع لثوان معدودات تكشف المستور وتمزق قفازات الرياء التي نسجتها آلة تضليلها عبر قرن من الزمن وأكثر، والمتاجرة بكل شيء من المصطلحات والشعارات البراقة إلى انتهاك كل الخصوصيات الأممية..
وتبدأ القائمة تفرد ما جرى ويجري على أرض العم سام من إبادة ملايين الهنود الحمر إلى العبودية والتمييز العنصري الذي مازال موجوداً ممارسة وسلوكاً وتفكيراً بغض النظر عن شطبه نظرياً.. فما نراه الآن من احتجاجات خنق وقتل جورج فلويد.. ليس إلا رأس جبل من الانتهاكات البغيضة التي لا تدل على ممارسات فردية بل على إستراتيجية استعباد الآخر والنظر إليه على أنه سلعة أو في أحسن الأحوال آلة للشراء والاستهلاك لينعم السيد الأبيض بما يريد..
وقس على ذلك في القضايا الاجتماعية والاقتصادية والحرمان الذي يعيشه الأميركيون، ثمة فقر يصل إلى حدود خطرة في معظم ولايات أميركا المتشدقة باسم الإنسانية.. هل نذكر بما يجري الآن فيها على أرض الواقع من عدم اهتمام للوباء الذي يفتك بآلاف الأميركيين يومياً بينما الإدارة الأميركية وعلى رأسها ترامب مشغولة بالتغريدات التي جعلت حتى إدارة تويتر تكذبها..؟
لم يعد ثمة شيء يمكن أن تخفيه واشنطن عن ازدواجية مواقفها وانفصالها عن الواقع المجتمعي.. فقد بدت عارية إلا من الصلف والغرور.. وربما كان محقاً أحد المفكرين حين قال.. الولايات المتحدة هي أكبر سجن في العالم.. لكنها تحاول أن يبدو وكأنه وطن..
أميركا التي توزع شهادات حسن السلوك هي اليوم أكثر من يحتاج هذه الشهادات.
البقعة الساخنة- بقلم أمين التحرير ديب علي حسن