رغم ضيق الحال وصولاً إلى المحال في الاستمرار ما لم يكن من جديد أكيد في جدته وقيمته.. رغم الفقر القائم والقادم وصولاً إلى المجاعة.. رغم الحروب وتفشي الأوبئة.. رغم الخرائب والدمار والدم والذبح لنا بأيدي بعض شعوبنا وليس فقط بأيدي أعدائنا.. رغم انحسار الآمال والأحلام والفكر المرافق لهما.. رغم تبخر العقائد والمواقف والمبادئ.. وقبل ذلك كله رغم انحدار الأخلاق.. ثمة فرصة حقيقية أمام دول العالم الثالث.. كي يعلن هويته ويظهر إرادته.. وهي فرصة أمامنا نحن السوريين.. كواحدة من دول هذا العالم المغلوبة على أمرها.. للدخول في النفق الذي يمكن أن تضيء في نهايته شمعة.
العالم الثالث هو -تقريباً- مجموعة الدول التي لاحظت وشهدت كيف توزع العالم إلى شرق وغرب، وكان نصيبها من الكعكة التي طبخت على نار الحرب العالمية الثانية أن تلتحق بركب هؤلاء أو أولئك… والأمم المتحدة هي الشاهد الذي لم ولن يشاهد..
خرج من هذا العالم .. من مجموعة هذه الدول.. أكثر من صرخة مشهود لها باسم مطلقها.. تعلن الولادة قبل الحمل.. والعصيان قبل التمرد.. جمال عبد الناصر من مصر.. جواهر لال نهرو من الهند.. جوزيف بروز تيتو من يوغسلافيا.. أحمد سوكارنو من أندونيسيا وغيرهم.. وامتد التجمع من دون تحالف ليصل دولاً أخرى في القارات الثلاث وحتى الصين.. على اعتبار أن الصين لم تكن عضواً في حلف وارسو ولا في الحلف الأطلسي “الناتو”.
لكن التجمع الذي اقترن مولده بالفرح والأمل والاحتمال.. تحول إلى وجود شكلي مهمش وتابع بمعظم دوله ومنها الدول الرئيسية المؤسسة.
لماذا..؟! لأنه ولد على الورق.. وحفظ وجوده بالخطب والبيانات.. وتدلت أغصان التجربة حتى أصبح يصلها من لا تعنيهم بشيء ولا تكلفهم حتى جهود الصعود إلى الشجرة..!!!
حضرت في عام 1981 مؤتمر وزراء خارجية عدم الانحياز في نيودلهي.. وكان ثمة حضور أميركي.. وكانت أجواء المؤتمر تشعر بروائح طبخات تعد على نيران هادئة.. كلها كان يعلن عجز التجمع عن رسم توجهاته وخطة عمله وفق المنطلقات التي وضعها ليكون “العالم الثالث”.
سألت يومها المرحوم القائد الفلسطيني عبد المحسن أبو ميزر عما يراه في المؤتمر.. ولاسيما أن القضية الفلسطينية كانت العنوان الأهم الذي يجتمع خلفه العالم الثالث بكل دوله.
قال لي الرجل: ثمة ما يطبخ وهو غير مريح.. تصور أن السعودية تتمثل في المؤتمر بوزير..؟!
لو ترون اليوم بماذا تتمثل ومن تمثل السعودية اليوم..؟؟!!
لماذا ثمة فرصة أمام تجمع دول العالم الثالث اليوم..؟
لأن دول المعسكرين اللذين كانا.. تحارب اليوم البنى التي أنشأتها لاعتقال العالم الثالث، وفي مقدمتها الأمم المتحدة.. فهل تقيم دول العالم الثالث.. بعضها أو كلها.. ومع غيرها وجدت على الساحة.. أممها المتحدة..؟!
أؤجل اليوم ما كنت سأقوله عن سورية في هذا الإطار.
معاً على الطريق – أسعد عبود
As.abboud@gmail.com