ثورة أون لاين – نهى علي :
لم يخطر على بال أي مواطن أو متابع أن يكون يوماً ما أمام مواجهة مع هذا النوع من مخاطر التلوث، التي ازدادت وتعددت حتى جعلت مصادر مياه الشرب النظيفة والصالحة في انحسار متواصل ومستمر، إلّا أن خللاً تخطيطياً وتنظيمياً تراكم عبر عقود أدى إلى ظهور مشكلة تلوث تضاف إلى سلسلة ملوثات أخرى.
ويتّهم متابعون وخبراء في هندسة ميكانيك التربة وآخرون في مجال البيئة، التخطيط الهندسي والأخطاء أو حالة عدم الاكتراث القائمة في اختيار مواقع مقابر دفن الموتى، بالتسبب بكارثة بيئية خطيرة جداً على الصحة العامة في حال تسربت مخلفات التعفن والتحلل للجثث إلى المياه الجوفية، أو إلى المزروعات القريبة من المقابر، في وقت غابت إجراءات حماية وتحصين المياه الجوفية في الأرياف والمدن لكن بدرجة أبرز في الأرياف.
ويرى خبراء أكاديميون أن مكونات القبور هي مصادر ممكنة جداً لتلويث المياه الجوفية والسطحية، وهذا مؤكد علمياً، وأيضاً تلويث التربة والهواء، ويعود ذلك لسببين: أولاً ارتشاح البكتريا والفيروسات المسببة للأمراض الناتجة عن تعفن الجثث، إضافة إلى النواتج الكيميائية الناجمة عن تحلل الجثة، وتستمر على مدى أكثر من عشر سنوات، ويتم الانتقال إما عن طريق ارتفاع سطح المياه الجوفية إلى مناطق قريبة من خمسة أمتار تسمى منطقة التهوية، أو من خلال الهطلات المطرية والسيول التي تؤدي إلى جرف الترب وانتقالها إلى أقرب تجمعات مائية، لهذا السبب تم اقتراح منظومة متكاملة من المعايير الهندسية اللازم اتباعها، إضافة إلى برنامج مراقبة للمقابر القائمة، ويجب أن يكون هناك تخطيط عمراني لاختيار موقع المقابر المناسب، بحيث نستطيع أن نتلافى مخاطر هذا الموضوع.
ويرى بعضهم أن ثمة تأثير لملوثات المقابر على الإنسان في حال تسربت إلى المياه، حيث رصد المكتب الإقليمي في منظمة الصحة العالمية أكثر من 30 نوعاً من البكتريا، ومنها فيروس شلل الأطفال، إضافة إلى مكونات الجثث، ورصدت في مناطق في العالم مدة بقاء بكتريا فيروس شلل الأطفال حياً بـ 84 يوماً، وارتحل إلى مسافة 900 متر في نوع من أنواع الترب، وفي استراليا وصل إلى مسافة 9 كم في الترب الرملية، إضافة إلى انتقاله للمحاصيل الخضرية التي تزرع بجوار المقابر، ويتناولها الإنسان وتسبب الموت المفاجئ من دون معرفة السبب، وكذلك وجود الآبار بالقرب من المقابر.
وقد جرت تحذيرات سابقة من هذا الموضوع، لاسيما أنه تم البدء بالمشروع من خلال تحريات لبعض الآبار والقيم التي يتم اختبارها منذ عام 2008، وكان على ثلاثة محاور : الأول فهم آلية التحلل لمكونات الجثة، وكيفية انتقال الملوثات عبر المياه الجوفية.
يشار إلى أن بعض المحافظات طلبت تصدير منظومة تشريعات ومعايير، كون التشريع المائي لم يلحظ هذا الموضوع وتم رفعه، ولم يدخل حيز التنفيذ حتى الآن، وكذلك عدم وجود معايير هندسية وفنية، ولا حتى توفر أنظمة قياس ومراقبة للتأثيرات البيئية للمقابر القائمة، ولا توجد بحوث علمية انتشرت في هذا المجال، بينما الدول المتقدمة سبقتنا في هذا المجال.
أحد الأكايميين في كلية الهندسة المدنية بجامعة دمشق، يلفت إلى أن مكونات جثة رجل بالغ وزنه 70 كغ تتضمن 16كغ كربون، و7 كغ هيدروجين، و1800 نتروجين، كالسيوم وفوسفور وكبريت وبوتاسيوم وبكتريا، وإذا أخذنا مساحة 1500 متر مربع، ومعدل الوفيات سنوياً 500 جثة دفنت فيها، فخلال العام الأول سيكون حجم التحلل تركيز النترات 14.43 غراماً باللتر في حال وصل إلى المياه الجوفية، وهذا خطير جداً، وبعد مرور 10 سنوات وانتهاء التحلل سيزداد تركيز النترات.
وبالنسبة للمقابر الجديدة، تم وضع شروط للتخطيط للمقبرة، ويجب أن يكون هناك توجه بعدم إنشائها في منتصف المدن، وحالياً يتم اختيار المناطق التي لا تصلح للتأهيل السكاني، ويجب اتباع معايير خاصة في مرحلة الإعمار، مع مراعاة خصوصية العادات والتقاليد، أما المقابر القائمة فيجب إخضاعها لبرنامج مراقبة فعال على المدى القصير، وعلى المدى المتوسط، والطويل، فلكل مجال اختبارات خاصة.
ربما هي واحدة من أشكال العشوائية في تنظيم المرافق بكل أشكالها، ومن مساوئ غياب التخطيط وتأخر المخططات التنظيمية، إضافة إلى التراخي في فرض الضوابط وكبح جماح العشوائيات والارتجال في التوسع العمراني بما في ذلك إحداث مقابر جديدة، هرباً من ارتفاع أسعار المدافن في المدن الكبرى.