صمت الفكر لا يعني أننا في مرحلة لن يكون هناك فكراً، لأن الفكر قد يتبدّى ويتجلى أكثر في صمته، تماماً كما هي معادلة سلسلة “مقبرة الكتب المنسية” لكارلوس زافون.. فالعنوان قد يوحي بأن لا كُتب ولا قُرّاء، لكن الحقيقة أن من يزور تلك المقبرة عليه أن يختار كتاباً منها ويتبناه ويتعهد بالحفاظ عليه ونشره حتى آخر العمر…
تبنّي كتاب لكلّ مثقف يعني أننا نتصدّر الحراك الإنساني والثقافي والفكري، ونرفع درجة حضور الثقافة في عالمنا، ونخلق فرصة توازن حقيقي ومُنتج فعلي ملموس يُتيح دمج الفكر بالقول…
كما أن تبنّي فكرة لكلّ مثقف من كتاب ما يمكن أيضاً أن تُحدث فرقاً، وتسهم إلى حدّ ما بقضاء حوائجنا الثقافية والروحية ونبقى ضمن التوازنات لثقافة عملية فكرية…
أمّا الوقوف على الحياد وصمّ الآذان وترك العمل والأمل لمن هم معنيون عموماً فهذا لن يولّد سوى ترقّب وانتظار لخيبات فكرية وثقافية قد تودي بنا وبمجتمعاتنا إلى التهلكة التي لطالما أرادها وسعى إليها أعداء الفكر والفن والحضارة والشعوب التي تقدّمت علينا بقصدٍ أو غير قصد..
الأحداث والحروب المتكررة وكثرة أعداء سورية والأمة عامة تستلزم ضرورة إعادة الألق لدور المثقفين والثقافة، وعدم الاكتفاء بتبنّي كتاب أو فكرة من مقبرة الكتب المنسية، ولسنا مطالبين بدور ثقافي يناطح السحاب، بقدر ما نحن مطالبون بدور ثقافي يطفو على سطح الأرض يؤكد تفاعله العضوي وتشاركيته مع الناس، ويؤدي رسالته المرجوّة في تحريك الفعل المجتمعي والإنساني وتفكيره…
لا يجوز غياب وتغييب الثقافة والمثقف عن الحراك الاجتماعي والإنساني مهما كانت المبررات والموانع، لأن أزماتنا الحقيقة في جوهرها أزمة فكرية وحاجات ثقافية، والتماسات إنسانية، وما العزوف عن تبنّي فكرة أو كتاب إلا ضرب من الجنون وأزمة وآلام يتجرّعها الأبناء بادعاءات مثقّف وثقافة….
رؤية-هناء الدويري