الثورة أون لاين- فاتن دعبول:
يقول حنا مينة” أنا كاتب الكفاح والفرح الإنسانيين، فالكفاح له فرحه، له سعادته، له لذته القصوى، عندما تعرف أنك تمنح حياتك فداء لحياة الآخرين، هؤلاء الذين قد لاتعرف لبعضهم وجها، لكنك تؤمن في أعماقك، أن إنقاذهم من براثن الخوف والمرض والجوع والذل، جدير بأن يضحى في سبيله، ليس بالهناءة وحدها، بل بالمفاداة حتى الموت معها أيضا .
إن وعي الوجود عندي ترافق مع تحويل التجربة إلى وعي، وكانت التجربة الأولى في حي” المستنقع” الذي نشأت فيه في اسكندرونة، مثل التجربة الأخيرة، حين أرحل عن هذه الدنيا، ومثل تجربة الكفاح بينهما، منذورة كلها لمنح الرؤية للناس لمساعدتهم على الخلاص من حمأة الجهل والسير بهم ومعهم نحو المعرفة، هذه التي هي الخطوة الأولى في المسيرة الكبرى نحو الغد الأفضل ..”
اليوم ونحن نستذكر مسيرة حياة شيخ الرواية السورية نقف عند محطات من حياته شكلت مسيرته الغنية التي صيغت من آلام وآمال مجتمعه، فقد امتهن الكتابة ولكنه كان يرى فيها أنها أقصر الطرق إلى التعاسة الكاملة، وليست كما يظن البعض أنها سوار من ذهب، ويعبر عن ذلك بقوله” الحياة أعطتني وبسخاء ويقال إنني أوسع الكتاب العرب انتشارا مع نجيب محفوظ بعد نوبل، ومع نزار قباني وغزلياته التي أعطته أن يكون عمر بن أبي ربيعة القرن العشرين، ويطالبونني في الوقت الحاضر بمحاولاتي الأدبية الأولى التي تنفع الباحثين والنقاد والدارسين لكنها بالنسبة إلي، ورقة خريف أسقطت مصابيح زرق ..”
الرجل الشجاع .. حياته
لم تكن سنوات عمره الأولى مخملية وخصوصا في ظل بلد يعاني الاحتلال وجبروته، فقد ولد في مدينة اللاذقية في العام 1924 وكانت طفولته في إحدى قرى لواء اسكندرون على الساحل السوري، وفي العام 1939 نزح مع عائلته وكثيرون معه إلى مدينة اللاذقية بعد الاحتلال التركي نتيجة الاضطهاد تجاه السوريين هناك، لتكون اللاذقية عشقه وملهمته بجمالها وبحرها، وبدأت رحلته في الكفاح من أجل البقاء، عمل حلاقا وحمالا في ميناء اللاذقية، ثم كبحار على السفن والمراكب، وعاين الكثير من المهن الأخرى ك” مصلح دراجات، مربي أطفال، عامل في صيدلية، وكانت النقلة النوعية انتقاله إلى الصحافة ثم إلى كاتب مسلسلات إذاعية للإذاعة السورية، ومن ثم عين موظفا في وزارة الثقافة.
رحلة الكتابة
كتب العديد من القصص والروايات وكانت في غالبيتها عن البحر الذي عشقه، وكانت أولى رواياته الطويلة” المصابيح الزرق” وقد تحولت رواياته في غالبيتها إلى أفلام سينمائية ومسلسلات تلفزيونية.
ومن رواياته أيضا” الشراع والعاصفة، الياطر، الأبنوسة البيضاء، حكاية بحار، نهاية رجل شجاع، الثلج يأتي من النافذة، الشمس في يوم غائم، بقايا صور مأساة ديمترو، المرأة ذات الثوب الأسود ..”
كما ساهم في تأسيس رابطة الكتاب السوريين مع عدد من الكتاب في سورية، ومن ثم في تأسيس اتحاد الكتاب العرب في العام 1969 وكان دوره هاما في التواصل مع الكتاب العرب من كل أنحاء العالم العربي.
أديب الحقيقة والصدق
كان الأديب حنا مينة يغوص في أعماق البحر ليخرج وقد امتلأت جعبته بما يطيب لنا من إبداع حقيقي، واستطاع بما تحلى به من الواقعية والصدق أن يساهم في إغناء الرواية العربية وقد أجاد في رواياته وقصصه التي يتحدث في معظمها عن البحر ويصف حياة البحارة في مدينة اللاذقية وصراعاتهم مع المخاطر التي يحملها البحر بين أمواجه العاتية، وهو الذي خبر حياة البحر والبحارين، لذلك جاءت رواياته سمتها الأساس الصدق والعمق والمعاناة والكفاح والواقعية، هذا إلى جانب الحب والجمال،
ولعشقه الكبير للبحر كانت أمنيته الدائمة أن تنتقل دمشق إلى البحر، أو ينتقل البحر إلى دمشق ويقول في ذلك” إنني مربوط بسلك خفي إلى الغوطة ومشدود بقلادة ياسمين إلى ليالي دمشق الصيفية الفاتنة، وحارس مؤتمن على جبل قاسيون، ومغرم متيم ببردى، لذلك أحب فيروز والشاميات ..”