في كلمته أمام مجلس الشعب المنتخب للدور التشريعي الثالث تطرق السيد الرئيس بشار الأسد إلى موضوع اللجنة الدستورية التي تعقد اجتماعاتها في جنيف ،مشيراً إلى أن مسألة الدستور قضية جوهرية في إطار جملة الأهداف التي سعت لتحقيقها القوى التي استهدفت الدولة السورية وعملت على تقويض مرتكزات بنيتها وعناصر سيادتها ،لجهة أنها دولة ذات سيادة ودولة مؤسسات هي نتاج إرادة وطنية معبرًا عنها عبر آليات وصيغ ضمنتها ونصت عليها جملة الدساتير التي عرفتها الدولة السورية منذ استقلالها عن السلطنة العثمانية وقيام المملكة السورية عام 1919 ،مرورا بفترة الاستعمار والانتداب الفرنسي وصولاً للجلاء عام 1946 وما أعقب ذلك حراك سياسي وصراعات متعددة الاتجاهات والمشارب وحالة عدم استقرار شهدتها السلطة في سورية لحين قيام ثورة البعث في الثامن من آذار عام 1963 ،وما اعقب ذلك من انتقال من الشرعية الثورية وشرعية الإنجاز وصولاً لدولة الشرعية الدستورية بعد قيام الحركة التصحيحية التي جرت داخل الحزب وقادها الرئيس الراحل حافظ الأسد عام 1970 وما أعقبها من انتقال إلى دولة المؤسسات المنتخبة عبر الشرعية الشعبية وتكريس ذلك في الدستور الدائم للبلاد والصادر عام 1972 عبر استفتاء شعبي عليه .
إن الدستور في أي دولة هو العنوان العريض لسيادتها والمعبر عن إرادة شعبها إضافة إلى كونه يحدد الهوية السياسية والثقافية والوطنية للدولة وبنائها السياسي وثوابتها الوطنية، والدستور هنا هو البوابة والممر الإلزامي والشرعي المنتج للسلطة انطلاقاً من حقيقة أن الشعب هو مصدر الشرعية وأن أي سلطة تستمد شرعيتها من كونها نتاج إرادة وطنية خالصة والإرادة الوطنية الخالصة والنظيفة لا تتحقق إلا عندما تكون مواد الدستور ونصوصه وحيثياته منتجاً وطنياً خالصاً، أي بفائض إرادة الداخل دونما أي مؤثرات خارجية تدنسه وتطعن في شرعيته من هنا كان تركيز القوى التي استهدفت الدولة السورية وسلطتها الوطنية على مقولة إسقاط النظام، وهذا يتم إما عبر القوة المسلحة والعنف والاستيلاء على السلطة أو عبر إسقاط الدستور الذي هو المعادل الموضوعي لإسقاط النظام وهو الهدف الذي تعمل القوى الخارجية عبر دعمها للمعارضة المرتبطة بها على تحقيقه عبر لجنة مناقشة الدستورالتي تشكلت من ثلاثة مكونات وفق الممثل الأممي .
إن السعي والعمل جار عبر أدوات ضغط القوة الناعمة ومنها الضغوط السياسية والاقتصادية وفائض قوة الخارج لإحداث اختراق في الموقف السوري الثابت والرافض لأي تدخل خارجي في عمل اللجنة الدستورية لجهة تمرير مواد في الدستور المقترح يؤمن محصلة سياسية أو(حصة ) في مؤسسات الدولة السورية، يكون جيباً واختراقاً لبنية المؤسسات ذات الهوية الوطنية الخالصة بحيث يتأذى القرار الوطني المستقل والذي شكل تاريخياً عقدة لقوى الخارج التي لم تستطع اختراق تلك القلعة الحصينة، ما يفسح المجال لاستطالات أفقية وعمودية في هرمية النظام السياسي الذي كان ولازال على الدوام متمتعاً بحصانة فريدة لم تستطع أي قوة خارجية إحداث أي اختراق فيها في كل ظروف الأزمة ومنعرجاتها وتضاريسها لأن الإرادة الوطنية التي عبرعنها وتمسك بها السيد الرئيس بشارالأسد لم تتعرض لحظة واحدة للاهتزاز أو الخوف والتراجع من هنا يمكننا القول: إننا سنكون أمام معركة لا تقل شراسة عما سبقها من معارك وهي معركة الدستور الوطني السوري .
إضاءات – د. خلف المفتاح