“وجيه البارودي” شاعر الحبِّ والحياة

الثورة أون لاين – رشا سلوم:

مع عودة سلسلة “آفاق ثقافيّة” للصدور كان الكتاب الجديد الذي حمل عنوان وجيه البارودي الطبيب والإنسان.. سيّد العشق والعشّاق لمؤلفه الشاعر نزار حجار الذي على ما يبدو أنّه كان له نصيب من التعرّف على الشاعر كطبيب حين اصطحبه أهلوه إلى عيادته وهو مازال طفلاً صغيراً..
يمضي الكتاب على الرغم من صغر حجمه في سرد الكثير من المعطيات والوقائع من سيرة حياة الشاعر الحموي المحبِّ للناس والحياة والأمل.. المتمرّد على العادات والتقاليد..
الشاعر الذي عالج الأمراض الاجتماعية بشعره كما عالج الأمراض الجسدية.. وكان منارة ليس في تاريخ حماة بل في تاريخ الشعر السوري ..
طبيب يعرف كيف ينثر الأمل بين الناس وكيف يداوي جراحهم بمبضع الحرف، وفي حماة ظلّ طول العمر بعد تخرّجه كطبيب لم يغادرها إلا لعمل أو ضرورة هكذا يقول وجيه البارودي.
بدأ دراسته الأولى في الكتاتيب ثم في مدرسة (ترقي الوطن) في مدينة حماة، سافر إلى لبنان بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى عام 1918 م ليتابع دراسته وأمضى هنالك أربعة عشر عاماً، شملت الدراسة الابتدائية، والثانوية، والجامعية، وتخرج طبيباً سنة 1932م من الجامعة الأميركيّة في بيروت (الكلية السورية الإنجيلية).
فتح عيادته الطبية الخاصة في مدينة حماة عام 1932م إثر عودته من لبنان، واقتنى في تلك الفترة درّاجةً عاديّة استخدمها لزيارة مرضاه (أول من يقتنيها في حماة)، ثم تطوّرت الأمور فاقتنى دراجةً ناريّة بقيت معه حتى أواخر الأربعينيات من القرن العشرين (أيضاً أول من يقتنيها في حماة)، وبعدها اقتنى سيارة خاصة به (فكان أول من يقتني سيارة في حماة).
مارس مهنة الطب منذ عام 1932م إلى أن توفي عام 1996م؛ أي إنّه ضرب رقماً قياسياً في الاستمرار بممارسة الطب بما يزيد على الستين عاماً وبالتالي يعتبر صاحب أطول مدة عمل طبي في سوريا على الأقل.
شخصيته
مدينة حماة ونواعيرها الشهيرة التي لم يفارقها أبداً
كان إنساناً محبّاً لأبناء بلده كما أحبّه أهالي مدينته لإنسانيته، لكن حدث خلاف بينه وبين مجتمعه عندما رفع الطربوش الذي كان يوضع على الرأس وكان عرفاً إلزامياً في تلك الأيام في مجتمعه الحموي حيث خرج عن هذا العرف وخلع الطربوش ووضع بدلاً عنه البرنيطة ليجابه بنقد جارح من قبل المجتمع.
قال في مدينته حماة التي أحبّها ولم يفارقها أبدأً:
فـي حمـاة مقيـم لا أغـادرهـا شاطئ البحر عندي ضفة النهر
فيها النواعير والعاصي شاعرها ثـلاثة ميزتنا حكمـة القدر

كان وجيه البارودي في عيادته طبيباً عالماً وإنساناً بكلّ ما تحمله الكلمات من معانٍ حتى كُنِّي بأبي الفقراء، واشتهر بذلك في أنحاء محافظة حماة، ولقد افتخر بذلك وتحدّث بشعره غير مرّة عن حبّه للفقراء وعداوته للمال:
وبيني وبين المال قامت عداوة فأصبحت أرضى باليسير من اليسر
وأنشأت بين الطبّ والفقر إلفةً مشيت بها في ظلّ ألوية النصـر

توفيت زوجته وثلاثة من أبنائه العشرة فانطوى قلبه على جرحٍ لا يندمل أما محبّته وعطاؤه لكلّ من حوله فقد تركا ذكرى حيّةً في قلوب أبناء مدينته وحقَ له أن يقول:
أنا حيٌ بمنجزات نضالي وبشعري الذي يظلُ طريَا
وبطـبِي وخـبرتي وبحبِي سـوف أبقى مخـلَداً أبديَـا
تكريمه
تمّ تكريمه طبيباً: قدّم له وزير الصحّة في السوري د. إياد الشطي عام 1991 م درع الوزارة باعتباره أقدم طبيب في سوريا وصاحب أطول مدّة عمل طبّي في العالم حيث ظلّ على رأس عمله بما يزيد على الستين عاماً من عمره.
كما تمّ تكريمه شاعراً: فقد أقيم احتفال بمناسبة بلوغه السبعين /1975 م/ تحدث فيه نخبة من الأدباء والباحثين والنقّاد والشعراء السوريين عن هذا الطبيب الشاعر، وقدّم له محافظ حماة كأس الشعر.
شعره ودواوينه
خلال دراسته في الجامعة الأميركيّة في بيروت تعرّف على مجموعـة من زملائـه المشهورين في حقل الأدب منهم: (عمر فروخ اللبناني وإبراهيم طوقان الفلسطيني وحافظ جميل العراقي وأبو القاسم الشابي التونسي) وأسّسوا معاَ جمعيةً أسموها دار الندوة عام 1926 م، وفي تلك الفترة انطلق صوته الشعري يصدح بأعذب القصائد وأحلى الأشعار، كما كان لهم قصائد مشتركة منها وادي الرمان التي نظّمها مع الشاعر إبراهيم طوقان.
يعكس شعره شخصيته المتمردة الثائرة، وعشقه المتفاني، كما تظهر في شعره إنسانيته في ممارسة الطب وفلسفته الخاصة وقناعته الذاتية.
طبع ديوانه الأول (بيني وبين الغواني) عام 1950م ثم أعاد طباعته مع ديوانه الثاني (كذا أنا) عام 1971م، وأخيراً صدر ديوانه الثالث (سيد العشّاق) عام 1994م، بالإضافة إلى مجموعة من القصائد التي تنتظر من يقوم بجمعها وإصدارها.
ويعتبر الغزل من أبرز ما تناوله في هذه الدواوين، فقد ظلّ طوال حياته متلهّفاً للجمال، قال في إحدى قصائده:
يعجب الناس كيف يهوى مسنّ في الثمانين قوّس الدهر ظهره
خَـبرَ الحــبّ يافعـاً ثمّ كـهــلاً ثمَ شيخاً فازداد عزماً وخبْره
وهو أصبى فتـوّةً في الثمـانين وأدهـى مـن المـراهـق شـرَه
كما صوّر في شعره كثيراً من اللقطات التي مرّت في حياته، فجاءت صوراً واقعيّة فيها الكثير من الطلاوة والجمال والدعابة والنقد للمجتمع والدعوة للثورة على التخلّف والفقر، قال في قصيدته الحمراء من ديوانه الأول:
مررت أمس على العافين أسألـهم ما تبتغون ؟ أجابوا : الخبز و الماء
ومرَ بي مترفُ يشكو , فقلت له : ممَ اشتكيـت ؟ أجـاب : العيش أعباء
سيّـارتي فقـدت في اللـون جدَتها أريــد أخــرى لهــا شـكــل و لألاء
يـا معـدمون أفيـقوا من جهالتكم يــا مــن حــيـاتـكــم نـتـنٌ و أوبـاء
لابـدّ لـلأرض مـن يوم تثـور به والشـمـس من حنـق في الأفـق حمـراء
ممارسته للطب
عرف وجيه البارودي بتفوّقه في ممارسة الطب حتى صار مرجعاً للحالات المستعصية، كما رويت عنه الكثير من النوادر والحكايات التي كانت تحدث معه يومياً من خلال ممارسته للطب، واشتهر بابتكاره طرقاً مميّزة في العلاج تعتمد كثيراً على نظرته الثاقبة وعلى الناحية النفسية للمريض.
ومن ذلك نذكر هذه القصة: طـُلب ذات مرة إلى منزل امرأة على وشك الولادة ولكنها كانت متعثرة، شاهدها الدكتور وجيه فطلب مباشرة من الأهل طبلة (دربكـّة) وبدأ بالنقر عليها والرقص مع الصبايا ما أدّى إلى غرق المرأة بالضحك وأنجبت مولودها دون أن تشعر بذلك، ولدى سؤال الدكتور وجيه عن سبب فعلته هذه أجاب: إنّ المرأة خائفة ومتشنّجة وهذه الحالة لا يفكّها إلا الضحك أو الفزع، لم أستطع على الثانية فقمت بالأولى، كانت طرائفه كثيرة ككثرة الناس التي عالجها وتعامل معها، قال عن نفسه:
حكيـمٌ خبـرتي تسعـون عاماً ومدرسـتي التجارب و العلوم
ويذكر له أنّه كان لكلّ الناس، للفقراء والبؤساء الذين يقصدونه.

آخر الأخبار
التحول نحو الاقتصاد الحر.. خطوات حاسمة لدعم المصرف المركزي السوري فزعة الأشقاء.. الأردن يهبّ لمساندة سوريا في إخماد حرائق الساحل أول شحنة منتجات من المدينة الصناعية بحسياء إلى الولايات المتحدة الأميركية رئيس الجمهورية يتابع ميدانياً جهود الاستجابة لحرائق ريف اللاذقية  تشكيل مجموعة العمل المشتركة حول التقنيات المالية بين مصرف سوريا المركزي ووزارة الاتصالات 138 خريجاً من مدرسة التمريض والقبالة في حلب يؤدّون القسم تحفيز إبداع فناني حمص مبادرة وطنية لحفظ وتثمين التراث السوري الهيئة الوطنية للمفقودين تطلق المرحلة الأولى من عملها هوية دمشق القديمة.. حجر اللبون بين سوء تنفيذ.. وترميم غير مدروس بحث تطوير مطار حلب وخطوات جديدة نحو الإقلاع الاقتصادي حركة نشطة عبر معبر السلامة.. أكثر من 60 ألف مسافر في حزيران وعودة متزايدة للسوريين بين المصالح والضغوط.. هل تحافظ الصين على حيادها في الحرب الروسية-الأوكرانية؟. صحة حمص تطور خبرات أطباء الفم والأسنان المقيمين تخفيض أجور نقل الركاب على باصات النقل الحكومي بالقنيطرة أطباء "سامز" يقدمون خدماتهم في مستشفى درعا الوطني استجابة لشكاوى المواطنين.. تعرفة جديدة لنقل الركاب في درعا كيف تخلق حضورك الحقيقي وفعلك الأعمق..؟ حرائق الغابات تلتهم آلاف الهكتارات.. وفرق الإطفاء تخوض معركة شرسة للسيطرة على النيران سوريا وقطر تبحثان توسيع مجالات التعاون المشترك