الثورة أون لاين- لميس علي:
في رواية “المنور” تحدث ساراماغو على لسان إحدى شخصياته: (من يقدر على الادعاء أنه يعيش الحياة بملئها؟ كل أعناقنا مغلولة إلى نير الرتابة، كلنا ينتظر شيئاً ولا أحد يعرف ماذا… نعم كلنا ننتظر).
في سبيل مواجهة التشتت والضجيج المتصاعد من القلق والخوف لما يمكن أن تؤول إليه أمور العيش في ظل أزمات مثل جوائح صحية غير مسبوقة، يقرأ الكاتب سايمون كريتشلي، ما تحدّث عنه المفكر بليز باسكال في عمله (أفكار) الذي كان يرى أن أساس مشاكل المرء في هذه الحياة تنبع من عدم قدرته على المكوث وحيداً في غرفته.
يذكّرنا باسكال أن البشر بائسون ضعفاء وشديدو الهشاشة.
ويخلص كريتشلي: “إن توكيد ضعفنا وهشاشتنا وافتقارنا هو تضاد لكل تشاؤم أو عدمية، إن المفتاح لعظمتنا كجنس بشري هو في ضعفنا فلنتذكر أن قوتنا تكمن في ضعفنا”..
هل صحيح أن الضعف البشري هو الأشد في الطبيعة كما ذكر باسكال نفسه..؟
عند هذه النقطة تحديداً أتذكر ذلك الفيلم الذي تحدث عن قوة الإنسان ومجاراته لقوى ووحشية الطبيعة في فيلم “العائد”..
الإنسان ضعيف وهشٌّ.. لكنه بذات الوقت قادرٌ على اكتشاف قوة غير متوقعة داخله.. كما يمكنه مجاراة أوضاع قاسية لم يكن في الحسبان أن تخطر في خياله.
غالباً.. عندما يختلّ ميزان العيش لسبب ما، ونفقد بوصلة الشعور بالطمأنينة والسكينة.. تتصاعد تساؤلاتنا وتحفر عميقاً عن معنى كل شيء سلبي نحياه..
هل يعتاد المرء عيش السلبي..؟؟
هل يعتاد القلق.. القهر.. الظلم.. الخوف.. وغيرها من أحاسيس مغرقة ببشاعة تمظهراتها وهيئاتها حين تتجسّد في صلب يومياتنا..؟!
بالنسبة للقلق والخوف.. فهي مشاعر تتولّد من داخل المرء.. ولا تحتاج في كثير من الأحيان لمسبب خارجي.. أما عن القهر والظلم وغيرها من أحاسيس سلبية تتولّد بفعل إرادة خارجية.. كيف لنا التعامل معها..؟
ما السبيل إلى تطويعها.. أو أقله القدرة على التعايش معها..؟؟
إن أردنا مزيداً من الغرق في السلبية فليس لنا سوى أن نردد كلمات بطل ساراماغو: “كلنا نتناول جرعة المورفين التي تنوّم تفكيرنا”..
وفي أكثر الحالات تفاؤلاً يمكن أن نعيد اكتشاف مقولة باسكال.. ليس اكتشافها فقط، إنما تطبيقها بحيث نستطيع انتشال قوتنا من هشاشتنا..
من أجمل عبارات المدوّن الفرنسي ميشيل دي مونتين قوله: “لا يموت المرء بما هو مريض، وإنما بما هو حيّ”..
كلّما تلمّسنا ضعفنا أكثر، أصبحنا أكثر قدرة على معرفة مكامن قوتنا