يمكن للمطبعين العرب الجدد أن يدعوا ما يشاؤون بشأن ما انزلقوا إليه مرغمين بضغط ترامبي، وأن يبرروا لشعوبهم ــ إن كانوا يقيمون وزناً لها ولمواقفها ومشاعرها ــ المهزلة التي أقدموا عليها، ولكن ننصحهم ألا يطلقوا على ما ارتكبوه (عملية سلام) أو (اتفاقية سلام)، لأن كياناً متوحشا تم إنشاؤه بالخديعة والمكر والاكراه والتطرف والإرهاب، وعلى أنهار من الدماء العربية ومئات الآلاف من الضحايا الأبرياء وملايين المشردين، لا يمكن أن يكون (السلام) ضمن أجنداته، وبعض عناوينها، مد حدوده ونفوذه بين النيل والفرات، أي الوصول بأذرعه إلى شط العرب على الخليج العربي، هل ما زال عربياً بعد أن سلمت بعض محمياته مفاتيحها للموساد..؟!
الجميع يعلم بأن السلام الحقيقي هو مقتلة للمشروع الصهيوني التوسعي، ولهذا السبب أفشلوا مؤتمر مدريد للسلام، وأدخلوا القضية في دهاليز التطبيع المعتمة، ولكم أن تسألوا أصحاب الشأن إلى أين وصلوا بعد أوسلو ووادي عربة..؟!
لعله من نافل القول إن تذرع الأنظمة المنكبة على تزيين خطيئتها التطبيعية مع كيان الاحتلال بزعم الحفاظ على حقوق الشعب الفلسطيني هو ضرب من التحايل والخداع والتضليل المكشوف الذي لا يمكن أن ينطلي على عاقل، فالجميع بات على دراية كاملة بما يعانيه الثنائي ترامب ـ نتنياهو من أزمات داخلية وخارجية، تضطرهما للتعلق بقشة ــ كحال الغريق ـ ولكن هل يملك دعاة التطبيع هذه القشة ليلعبوا دور المنقذ، أم أن قشتهم ستقصم ظهر البعيرين..؟ ربما هذا ما سنعرفه في الأشهر القادمة، مع اقتراب موعد الانتخابات الأميركية، بالمناسبة قد يلجأ نتنياهو إلى انتخابات ثالثة أكثر فشلاً..!
لم يعد سراً مخفياً أن الكيان الصهيوني اليوم هو في ذروة اعتدائه على الحقوق الفلسطينية وتنصله من كل التعهدات التي (قطعها) على نفسه تجاه قضايا المستوطنات والقدس والحدود واللاجئين، وهو يتعاطى مع توقيع الأنظمة الخليجية على محاضر التطبيع المذلة كورقة ضغط جديدة على الفلسطينيين كي يخضعهم لإملاءاته وشروطه التي تلبي متطلبات صفقة القرن المشينة، ويعتقد حكامه أن جر المزيد من باعة القضية إلى بيادر التطبيع قد يضعف القضية، فيضطر أصحابها للتسليم بالأمر الواقع.
لكنّ ما يغيب عن بال الكيان الغاصب والداعمين له والمأمورين بالانزلاق إلى أفخاخه القذرة هو أن فلسطين هي قضية شعب متجذرة في وجدان الأمة ولا يمكن أن تسقط بالتحايل والخداع والصفقات الثنائية، فالشعب الفلسطيني ليس وحيداً في معركته ليتم الاستفراد به وهضم حقوقه، فما زال أحرار العالم يدعمون قضيته، وإلى جانبه محور مقاومة عاقدٌ العزم على تحرير الأرض واستعادة الحقوق مهما كلف الأمر، فهل وضع المتخاذلون ذلك في حسبانهم..؟!
البقعة الساخنة- عبد الحليم سعود