لا أدري لماذا ينزعج بعض – المستثقفين- وبعض جهابذة العاملين في التحليل السياسي من مصطلح المقاومة أو من الحض على المقاومة ضد الغرب المتنمر الذي لا يقيم وزناً للأعراف الدولية ولا للقيم الإنسانية والأخلاقية التي تنظم العلاقات بين الدول والشعوب، ومن أجل حماية هذه العلاقات والمواثيق الدولية أنشئت الأمم المتحدة والجمعية العمومية وحقوق الإنسان وغير ذلك من منظمات وروابط وجمعيات إنسانية عابرة للقارات.
ونحن- في العالم الثالث- صدقنا أن هذه المنظمات هي لصالح البشرية وأن أي دولة تستطيع أن تلجأ إليها في وقت من الأوقات، لكن الذي تبين وثبت بالدليل القاطع أن هذه الجمعيات والمنظمات وحتى الأمم المتحدة لا علاقة لها بالعدالة ولا بالحرية ولا بحقوق الإنسان.. وما يتم تسويقه ليس سوى القشور والأقنعة الخارجية التي تنشرها عبر وسائل الإعلام المهيمن القوي الذي يستخدم الصورة والمعلومة لخدمة مصالحه ومخططاته، أما ما يجري خلف الأقنعة فهو شيء مخيف فعلاً.
إن الغرب لا علاقة له بالشرعية الدولية ولا بالإنسانية والحضارة التي كنا نهجس فيها ونقيس عليها، إلى أن وقعت الواقعة في الربيع العربي الكاذب.. عندئذ ظهرت حضارة الغرب بأقصى تجلياتها حيث برز الوجه الحقيقي للحضارة الغربية أو كما يدعون (العالم الحرّ) الذي يستبيح دماء الشعوب وثرواتها ويتدخل في شوؤنها وسياستها وجغرافيتها وهويات وقوميات سكانها.. مع ذلك ما زال الكثير من السوريين المتنطحين للصورة الغربية المفبركة يعتبر أن زمن النضال ولى وأن العرب أمة ميتة، بل كل الشعوب النامية ميتة وعليها أن تستسلم للقوة العظمى (أميركا) وأن تعقد معها صفقات المصالحة والرضوخ والاستسلام وكأن الرضوخ للهيمنة الغربية وللغطرسة الأميركية سيحل مشكلة الجوع والبطالة والنفط والصحة وكل المعوقات.. متناسين أو غافلين بأن الغرب الاستعماري (القديم والجديد) هو سبب كل هذه المشاكل.. وهو سبب الفقر والجهل والتخلف.
إن البعض يعتبر الحديث عن النضال والمقاومة حديثاً بيزنطياً كما كتب لي أحد الفلاسفة مدعياً أن هذا الخطاب بات ممجوجاً ولا جدوى منه أمام قوة عظمى جبارة طاغية، وكأن أميركا قدر لا يمكن تغييره لذلك يجب الاستسلام لهذه القوى المهيمنة عبر أساطيلها وإعلامها وشبكاتها العنكبوتية الإلكترونية العالمية القادرة على تغيير الصورة وتشويه الحقيقة وإعطاء صورة أخرى مدروسة ومهيأة للتأثير في الفكر والسلوك والوعي الجمعي للشعوب، بحيث تعمل على برمجة العقول وتغييرها لتصبح مهيأة لاستقبال ما يريده الغرب منها فضلاً عن الدفاع حد- الإستماتة- عن القيم الغربية وعن نمط الحياة في الغرب عبر زعزعة الثقة بالهوية والتاريخ والانتماء وتفريغ كل الرموز من مهابتها وسموها والتقليل من أهمية فاعليتها ودورها في استنهاض وعي الانتماء والالتزام والتضحية من أجل الوطن.
وعلى أن الشعوب الفقيرة اليائسة أن تقنع بأنها لا يمكن أن تنتصر لذلك عليها أن تبقى تابعة، راضخة قانعة، مقلدة للنمط الغربي وساعية لتطبيق وتنفيذ ما يطلب منها كما يحصل الآن في بعض بلدان الوطن العربي مع كل الأسف وإلا مصيرها الفشل والحروب والانقراض.. مع أن أميركا هزمت في فييتنام وفي أفغانستان وفي العراق وهزم مشروعها في سورية ولو بقي له بعض الذيول إلا أن هذه الذيول ستقطع بفضل المناضلين المؤمنين بوطنهم وانتمائهم إلى سورية الأبية الصامدة وعلى الرغم من العملاء والخونة والمرتزقة الذين يسوقونهم من كل دول العالم باتجاه سورية عابرين من بوابة أردوغان المتطرف الطوراني ومن نوافذ الرجعية العربية المغلوبة على أمرها والتي تستحق الشفقة فعلاً.
لكن الذي لا يفهمه بعض جهابذة أذناب الغرب، أن الشعوب لا تموت وأن الامبراطوريات الاستعمارية (والتروستات الصهيونية) ستزول يوماً بفعل عوامل التآكل الخارجي والداخلي والنضال.
ستنهار قوى وستبزغ قوى جديدة والعالم يدور مع دوران ذراته والمستقبل المضيء قادم وأن دم الشهداء لن يذهب هدراً وستدفع دول الغرب الثمن وخاصة أميركا والتاريخ سيشهد على ذلك مهما طال الوقت ومهما دفعنا من أثمان لأن ثمن الهزيمة (كما قال السيد الرئيس) أعلى وأكبر من ثمن النضال والمقاومة.
معاً على الطريق- أنيسة عبود