الثورة أون لاين – ترجمة ختام أحمد:
تشهد العلاقة بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي والصين تحولاً جديداً في ظل تسارع أزمة فيروس كورونا، فبينما تستمر الجهود المبذولة لتعزيز التجارة والروابط الاقتصادية الأخرى في لعب دور رئيسي في العلاقة – خاصة بسبب التأثير المالي للوباء – أصبحت البلدان في جميع أنحاء أوروبا تناقش الحد من اعتمادهم على الصين في إمدادات السلع الحيوية، وهم قلقون أكثر من أي وقت مضى بشأن مستقبل العلاقة في بيئة جيوسياسية سريعة التغير، وتتميز بتزايد التنافس بين الولايات المتحدة والصين.
لقد حرّك الوباء الجدل في أوروبا حول الصين، بحيث بدأت مواقف بعض الدول الأعضاء في الاتحاد تجاه الصين تتغير بسرعات مختلفة ولا تندرج في فئات إقليمية أنيقة، هناك إجماع واسع بينهم على أن الاتحاد الأوروبي ليس مجهزاً بشكل كافٍ لمواجهة التحديات التي يفرضها النموذج الصيني. تنظر الدول الأعضاء الآن إلى الصين بشكل عملي كشريك، ولكن أيضاً في كل مكان آخر كمنافس. مع استثناءات قليلة، يتفقون على أن الاتحاد الأوروبي بحاجة إلى تقييد الاستثمارات الصينية في القطاعات الاستراتيجية، ما يؤكد حذرهم المتزايد من الإفراط في الاعتماد والتعرض للمخاطر الاقتصادية الناشئة عن بكين.
تظهر البيانات في معظم الدول الأعضاء، أن هناك اتفاقاً عاماً بين الأحزاب السياسية الأوروبية بشأن سياسة الصين. وهذا يجعل الانعكاسات المفاجئة للاتجاهات الحالية أمراً مستبعداً نسبياً، ما يسمح للاتحاد الأوروبي بالانخراط في تخطيط طويل الأجل بشأن هذه القضية ولو بشكل نسبي.
العلاقات الاقتصادية للدول الأعضاء مع الصين متنوعة للغاية، على الرغم من أن القليل منها متشابك اقتصادياً كحال ألمانيا (اللاعب الأوروبي الأكثر نفوذاً في العلاقات الاقتصادية بين الاتحاد الأوروبي والصين).
يوضح الاتفاق المذكور أن التصورات والأولويات ستشكل نهج أوروبا تجاه الصين في عالم يكافح للتخلص من فيروس كورونا.
استناداً إلى دراسات الحالة الخاصة ببلغاريا وفرنسا وإيطاليا وبولندا وإسبانيا، يبدو واضحاً كيف تتكيف الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي مع الصراع المتأصل بين المكاسب الاقتصادية قصيرة الأجل والاعتماد طويل الأجل في المنافسة الجيو سياسية المكثفة بين الولايات المتحدة والصين، وهذا يعتمد على سلسلة من الموائد المستديرة والمقابلات التي أجراها المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، بالتعاون مع مؤسسة هاينريش بول، وخبراء ومسؤولين إداريين وبرلمانيين في هذه البلدان.
تقدم كل دراسة حالة في الملحق، لمحة عامة عن ديناميكيات التفاعلات الثنائية لهذه الدول مع الصين، فضلاً عن أولوياتها وتوقعاتها بهذا الشأن، فلا تزال العلاقات بين الاتحاد الأوروبي والصين شديدة الدقة ومليئة بالأولويات الفردية التي أوجدتها التفاعلات الثنائية.
كخلاصة لهذه الموائد المستديرة والمقابلات، تم التقدم بورقة فيها سلسلة من التوصيات العامة حول كيفية قيام الاتحاد الأوروبي بإعداد نفسه استعداداً للمشاركة المستقبلية والمنافسة مع الصين.
يعكس الإجماع الناشئ بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بشأن الصين إحساساً مشتركاً بعدم التوازن الاقتصادي وخيبة أمل وعدم ارتياح. ويتزايد استياء الدول الأعضاء من عدم رغبة الصين في الرد بالمثل على انفتاح سوق الاتحاد الأوروبي. يدرك معظمهم – ليس أقلهم بلغاريا وبولندا وإيطاليا – تماماً أنهم ما زالوا يتلقون القليل من الاستثمار الصيني نسبياً، على الرغم من توقيع اتفاقيات تعاون مع الصين أو الانضمام إلى مجموعات مثل 17 + 1.
وبناءً على ذلك، فإنهم يهدفون إلى تحقيق مكاسب اقتصادية أكبر من الاقتصاد الصيني من خلال إنشاء ساحة لعب متكافئة، لكنهم مصممون على القيام بذلك دون زيادة اعتمادهم على الصين، بالنظر إلى أن اقتصادها يتعافى من الوباء بشكل أسرع من اقتصاد أوروبا.
تعتقد الدول الأعضاء أنها لن تحقق ذلك إلا إذا استخدم الاتحاد الأوروبي قوته السوقية بشكل أكثر حزماً وأظهر استعداداً للانخراط في مواجهة جيو-اقتصادية على هذا النحو، فالتدابير الاقتصادية الدفاعية للكتلة الأوروبية ضرورية ولكنها ليست كافية.
وبعيداً عن هذه الهواجس الاقتصادية، فإن الإجماع الأوروبي الناشئ بشأن الصين ينبع أيضاً من مجموعة متنامية من المخاوف السياسية. تدرك الدول الأعضاء أن الصين بارعة بشكل متزايد في السيطرة على العلاقات الثنائية معها. وهم يعترفون بأن هذا يعكس جزئياً فشل الجهود الأوروبية في مواجهة بكين سياسياً – وأن إطار سياسة الاتحاد الأوروبي المتماسك والعمل المنسق فقط يمكن أن يوقف أو يعكس هذه الاتجاهات.
تعتقد معظم دول الاتحاد الأوروبي أن بإمكانها إعادة التوازن للعلاقة مع الصين جزئياً من خلال تعزيز العلاقات مع القوى الأخرى، من خلال ترتيبات مثل اتفاقيات التجارة الحرة والشراكات الأمنية. ومع ذلك هناك اختلافات بينهما في أولوياتهم.
على الرغم من أن جميع الدول الأعضاء التي عُقدت فيها الموائد المستديرة والمقابلات تعبر عن رغبة في أن يصبح الاتحاد الأوروبي أكثر طموحاً وحزماً في سياسته تجاه الصين، إلا أنها في بعض الأحيان تكون حذرة من أسباب بعضها البعض للقيام بذلك. على سبيل المثال، تشعر العديد من الدول الأعضاء بالقلق من أن فرنسا تتعامل مع الاتحاد الأوروبي على أنه مجرد وسيلة لقوتها الجيوسياسية، وأن ألمانيا تتعامل مع الصين وفقاً لمصالحها الاقتصادية الوطنية، وبغض النظر عن مدى دقة هذه التصورات، فمن المرجح أن تظل عقبة أمام الإجماع الناشئ لبعض الوقت في المستقبل – حتى مع عدم القدرة على التنبؤ بالسياسة في عصر كورونا.
يبدو من غير الواقعي توقع وحدة كاملة بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بشأن جميع القضايا المتعلقة بالصين، لكن يوفر التقارب المتزايد في تقييماتهم أساساً جديداً لنهج أوروبي أكثر تماسكاً وفعالية، يبدو أنهم لم يعد بإمكانهم استخدام عدم اتفاقهم كذريعة للتقاعس عن العمل.
بقلم جانكا أورتيل
EUROPEAN COUNCIL ON FOREING RELATIONS