قبيل مطلع هذا العام الدراسي أنهيت، لأسباب ذاتية بحتة، تجربة تدريسية في المعهد العالي للفنون المسرحية استمرت عشرين سنة (وأقل منها بقليل في المعهد العالي للموسيقا، وثلاث سنوات في كلية الفنون الجميلة)، هي في واقع الحال أطول مرحلة في حياتي المهنية، محتفظاً بكثير من ذكريات جميلة، واستنتاجات، أراها مهمة، فهي تتجاوز إطار مسألة تدريس الفن التشكيلي لطلاب المعاهد العليا، والجامعات، إلى رحاب الثقافة التشكيلية المجتمعية.
بدأت الرحلة مع التدريس عام 2000 حين طلب مني الدكتور رياض عصمت عميد المعهد العالي للفنون المسرحية – حينذاك – تدريس مادة تاريخ الفن والعمارة لطلاب المعهد العالي للفنون المسرحية خلفاً لأستاذي حسن كمال وبناءً على اقتراحه، بعد أن توقف عن التدريس لأسباب صحية. كان قد مضى على تخرجي في كلية الفنون الجميلة نحو عشرين سنة لم أفكر خلالها، ولا قبلها، بممارسة التدريس، ومع ذلك كان الطلب بالنسبة لي غير قابلٍ للرد بسبب من طلب، ومن اقترح. لم يكن المعهد العالي للفنون المسرحية غريباً عليّ حتى قبل تأسيسه، فقد قمت مع صديق العمر عبد العزيز المصري، وزميل آخر في كلية الفنون الجميلة بتأهيل مسرح مبنى المعهد القديم في منطقة (دمّر)، ومن ثم تزاملت مع دفعته الأولى وربطتني صداقة عميقة ببعض طلابها، وبكثير ممن جاؤوا بعدهم. ومنذ تسلمي مسؤولية القسم الثقافي في صحيفة (الثورة) عام 1991 أصبح المعهد المسرحي جزءاً من عملي أتابع معظم فعالياته، وخاصة العروض الدراسية لطلابه، وما أزال.
على امتداد السنوات التي سبقت دخولي المعهد كمدرسِ، والسنوات التي تلتها، نشأت صداقات أعتز بها مع الأساتذة والطلاب والإداريين، ومع معظم عمداء المعهد وصولاً إلى الصديق الغالي د. ماهر خولي – العميد الحالي – والذي حاورني طويلاً بمحبة وصدق للاستمرار في التدريس. وثمة موقف مشابه كان له أثر كبير في نفسي، وعلى قراري الشخصي بشأن الاستمرار في التدريس حين كُلِّفتُ عام2003 بإدارة القناة الفضائية السورية، وأعلمت عميد المعهد – حينذاك- الدكتور سامر عمران بنيتي التوقف عن التدريس في المعهدين المسرحي والموسيقي بسبب التزاماتي الجديدة، فأبدى رغبة حارة بألا أفعل لأنه يجد أن وجودي قد أفاد في خلق اهتمام الطلاب بالفن التشكيلي، عارضاً في الوقت ذاته تبديل أوقات دروسي بالشكل الذي يناسبني. ومنذ ذلك الوقت لم أعد أعتبر المعهد المسرحي مرحلة عابرة في حياتي المهنية وإنما جزء أصيل منها، وأن علي أن أحافظ على هذا الانطباع وأسعى إلى تعميقه.
حرصت بداية على متابعة أسلوب الأستاذ حسن كمال، معتمداً على أمليته التي درستُها طالباً، إلى جانب الكتاب الأشهر للدكتور عفيف البهنسي (تاريخ الفن والعمارة)، وشيئاً فشيئاً بدأت بتنويع مصادر المادة التي أدرسّها فأضفت إليها كتابات الفنان المعلم إلياس زيات والدكتور علي أبو عساف وسواهما من المصادر العربية، وعدداً من المصادر المترجمة، وقد سعيت دائماً للموائمة بين المقرر الواسع ووقت الدروس الضيق، بتفضيل الأكثر أهمية من المعلومات التي يجب أن يعرفها الطالب، ولم يكن الأمر سهلاً بسبب ترابط المادة، وكون أقسام المعهد الخمسة لا تدرس المقرر ذاته.
أتاحت سنوات التدريس لي أن أقدم لجامعة خاصة هيكل منهاج مادة تاريخ الفن التشكيلي فيها. غير أن الفرصة الأولى لعرض نتائج هذه التجربة كانت بعد ثماني سنوات من بدئي بالتدريس حين استضاف المعهد المسرحي عام 2008 الملتقى الثامن لمدارس المسرح في حوض البحر الأبيض المتوسط، فقدمت إلى هذا الملتقى ورقة عمل حملت عنوان (تدريس الفن التشكيلي لطلاب المسرح) سأستعرض في زاوية الأسبوع القادم ما جاء فيها.
إضاءات-سعد القاسم