بصرف النظر عمن سيسكن البيت الأبيض سواء كان ترامب أم بايدن، فإن معظم الدراسات التي وضعتها المعاهد الاستراتيجية العالمية تبشر بنهاية مفجعة للامبراطورية الأميركية، ليس فقط على مستوى تفردها بالسيطرة على القرار العالمي بعامة وعلى الشرق الأوسط بخاصة، وإنما أيضاً على المستوى الداخلي الذي ينذر بحروب متنقلة وأوضاع أمنية متوترة نتيجة لتدهور الوضع الاقتصادي. وليس أدل على ذلك أكثر من تهافت الأميركيين في كل الولايات على شراء الأسلحة ومنها المتوسطة، وعلى تشكيل نحو 400 منظمة تستعد لساعة الصفر.
وهذه الدراسات التي تؤكد هذه المرحلة هي تأكيد لدراسات كانت قد وضعت منذ بداية عهد أوباما و”ربيعه العربي”الذي يختم أيامه بما يسمى التطبيع مع “إسرائيل”.
لقد اعتبرت أميركا بعد المآسي والدمار والقتل والتشريد الذي أحدثته في العالم ومنها دول المنطقة أنها حققت ما تريد وباتت قادرة على الاستثمار والانطلاق إلى جني نتائج ما فعلته، وهنا يكمن سوء التقدير الأميركي الذي إنْ لم يعالج قبل فوات الأوان فإنه سيقود إلى مرحلة دموية خطيرة وتنقلب على أميركا وهذا ما سيحدث.
ولأنّ أميركا اعتقدت أو هكذا تريد بأنّ حروبها حققت نتائجها، فإنها أطلقت «صفقة القرن» في مطلع العام الحالي وراحت تسارع الخطا إلى التطبيع بين العرب و«إسرائيل»، وتتوعّد إيران بعقوبات متجدّدة عليها . وهنا فوجئت بأن حلفاءها في الاتحاد الأوروبي لم يوافقوا على سياستها الرعناء .
ومن باب المكابرة، وبعد التطبيع التهريجي مع دولتين خليجيتين يروّج ترامب أنّ 6 دول أخرى قيد الانتظار وأنّ الباقي لن يطول تردّده في الالتحاق بالركب. أما الممانعون وبشكل خاص إيران وسورية ولبنان فقد أعدّت لكلّ منهم نوعاً من الضغوط تقود كما تظن إلى الخضوع، وهذا سوء تقدير آخر يوهم ترامب أنه يحصد أصواتاً إضافية في الانتخابات وقد يكون بومبيو ومعه صقور الجمهوريين قد أقنعوا ترامب أنّ السبيل الأقصر لربح الانتخابات التي يتأرجح المصير فيها الآن هو حرب محدودة وخاطفة مع إيران وحزب الله .
إنّ التقدير الأميركي المستخف يتناسى المتغيّرات الدولية التي جعلت من عالم 2020 مختلفاً كلياً عن عالم 2010، وإذا كان المفهوم الاستراتيجي للحلف الأطلسي الذي وضع للعقد الماضي قد حقق شيئاً من أغراضه فإنّ النتائج الاستراتيجية التي كان يرمي إليها بقيت بعيدة المنال.
لقد وجدت أوروبا أن التباين في المصالح بينها وبين أميركا كبير ما جعلها تتمايز عنها، الأمر الذي يجعل أيّ حرب تشنّها أميركا على أحد حرباً أميركية فقط ليس لأوروبا ضلع فيها. وما الموقف الأوروبي في مجلس الأمن في معرض الطلب الأميركي لاستئناف العقوبات على إيران ربطاً بالملف النووي إلا أول الغيث.
أما روسيا التي كانت بعيدة عن مسارح التأثير العالمي، فقد باتت ركناً أساسياً في النظام الدولي وفاعلاً رئيسياً في الشرق الأوسط.
أما الصين التي تؤرق أميركا فقد جعلت من اقتصادها متقدماً على الاقتصاد الأميركي ولم تنفع كل تدابير الإرهاب والحصار الاقتصادي في كبحه، لدرجة أن الصين لم تتردد في الايحاء باستعمال القوة، إضافة إلى جهوزيتها للاستغناء عن الدولار .
وهكذا يتضح أن أميركا اليوم هي غيرها عام 1990 . وإنها مهما فعلت فإنها لن تستطيع إعادة عقارب الساعة، فالأيام وما تحمله من مستجدات وتطورات ستجرفها إلى نهايتها، ليس فقط في مجال التأثير على العالم وإنما أيضاً في السيطرة على الوضع الداخلي الذي يغلي.
وإن غداً لناظره قريب
معا على الطريق- د. عبد الحميد دشتي