الأحداث الساخنة ترمي بثقلها على المشهد الراهن في المنطقة، وتنذر بإشعال المزيد من الحرائق، تذكيها نزعة الأطماع الاستعمارية للكثير من الدول الساعية وراء إثارة الحروب والنزاعات الدولية بقصد الاستثمار السياسي الرخيص، والمتاجرة بمعاناة الشعوب المستهدفة، ودائماً تتربع الولايات المتحدة على صدارة الدول اللاهثة وراء التمدد والنفوذ على ظهر الأزمات التي تفتعلها في هذه المنطقة أو تلك، وتثير شهية أتباعها لتحذو نهجها المدمر للعلاقات الدولية، بعدما تحولت منظومة الأمم المتحدة إلى أداة في قبضة الدول الغربية المهيمنة على قراراتها.
انطلاقاً من الحرب الإرهابية على سورية، تحاول الولايات المتحدة تكريس واقع جديد يجعل من الكيان الصهيوني ذراعاً إرهابياً مستداماً، ونقطة ارتكاز متقدمة لاستهداف شعوب المنطقة ونهب ثرواتها، لذلك نجد سياسة الغطرسة الأميركية تأخذ منحى تصاعدياً في استهداف الدولة السورية وحلفائها في المحور المقاوم لتحقيق هذا الهدف، حيث إن إمكانية تعويم هذا الكيان تستحيل بالمطلق في ظل وجود هذا المحور المقاوم والممانع لكل المخططات الصهيو-أميركية، ومن هنا فإن إدارة الإرهاب الأميركية تجهد بكل فائض قوتها المفرطة لتطويق دوله، عسكرياً وسياسياً واقتصادياً، هي تنشئ تحالفات إقليمية لهذا الغرض، وعمليات التطبيع المجاني مثال، وتدفع لجر المنطقة نحو حرب شاملة، وتهديدها المتصاعد لإيران مثال آخر، وتسعى لتأجيج الأوضاع في سورية مجدداً عبر إعادة ترتيب أوراقها العدوانية، والدفع بأدواتها ومرتزقتها لترجمتها على الأرض، وهذا يتضح من خلال ما كشفته وزارة الدفاع الروسية عن تحضير إرهابيي “النصرة” لفبركة مسرحية جديدة يتم فيها استخدام أسلحة كيميائية ضد المدنيين بريف إدلب الجنوبي لاتهام الجيش العربي السوري، وتكون ذريعة للتهديد بشن عدوان جديد، ودائماً تكون مثل هذه المسرحيات تحت إشراف النظام التركي باعتباره قطباً أساسياً في منظومة العدوان تحت القيادة والأمرة الأميركية.
التصعيد الأميركي يأخذ أشكالاً متعددة، وأبعاده السياسية لها امتدادات إقليمية ودولية تعكسها حالة الاضطراب الأمني الحاصل نتيجة التسابق نحو تشكيل مناطق نفوذ، تحاول الولايات المتحدة من خلالها فرض أجنداتها، فيما يلعب المصطفون في خندقها على وتر اختلال التوازنات الناتج عن الفوضى التي تخلفها سياسة البلطجة الأميركية، وهذا ما يعكسه مشهد الأحداث في شرق المتوسط الذي أفرزته الأطماع التركية التوسعية، والدخول الفرنسي والأميركي لاحقاً على خط الاستثمار في الأزمة الناشئة من بوابة الاصطفاف مع اليونان وقبرص للاستحواذ على الثروات النفطية والغازية في تلك المنطقة، ويجسده أيضاً التوتر المتصاعد بين أرمينيا وأذربيجان، ومساعي النظام التركي للاستثمار الرخيص في النزاع القائم بهدف التمدد في المحيط الجغرافي، والحصول على موطئ قدم في منطقة القوقاز على الحدود مع روسيا، لحصد بعض المكاسب السياسية في العديد من الملفات الإقليمية والدولية، كما يفعل من خلال عدوانه على الاراضي السورية والعراقية، وإرساله آلاف المرتزقة من إرهابييه في سورية للقتال إلى جانب أذربيجان، يشير بكل وضوح إلى نيته فتح جبهة عداء جديدة مع أرمينيا لإثارة المزيد من الفوضى وزعزعة الاستقرار بهدف تعزيز وجوده على الساحة الدولية.
كل ما يجري من أحداث ساخنة على الساحة الإقليمية والدولية، هي من مفرزات سياسة الفوضى الهدامة التي تمارسها الولايات المتحدة لتثبيت هيمنتها، هي تفتعل الأزمات وتشعل الحروب بهدف محاولة تغيير الوضع القائم في أي بقعة تجد فيها ما يخدم مصالحها الاستعمارية، وفي مكان لها أنظمة وحكومات عميلة، ووكلاء وأدوات ينفذون أجنداتها مقابل مكاسب سياسية ضيقة دون الاكتراث لأمن الشعوب واستقرارها، فمن سيحاسب أميركا وأتباعها في ظل غياب دور الأمم المتحدة المفترض في حفظ الأمن والسلام العالميين؟
نبض الحدث- ناصر منذر